تعريف بالرواية والقصة اليمنية

علي جواد الطاهر

 

وزيد مطيع دماج ستيني إذا علمنا أن الصحف بدأت تنشر له منذ سنة 1966. امتد إلى العقد الثامن ويستمر والمؤسف أنه لم يؤرخ قصصه التي ضمتها مجموعته الأولى (طاهش الحويان) وقد صدرت طبعتها الأولى سنة 1973. وقد قال الدكتور عبد العزيز المقالح في مقدمته للمجموعة من خلال انتاجه المنشور يقف وسطا بين جيل الرواد الذي يمثلهم القاص الأول محمد عبد الولي والجيل الثاني من كتاب القصة الشابة الذين يشقون طريقهم الآن (ونحن عام 1973) بين المحاولة والوصول. أما عن السمات الموضوعية في هذه المجموعة فربما تمثلت فيما يلي أولا:المحلية. ثانيا:الريفية. ثالثا: الثورية.

ولا أغالي أبدا اذا ما قلت ان الفارق كبير وشاسع بين أسلوب عقدة وهي الأقصوصة التي كتبت عام 1961 في طنطا وبين أسلوب رمال عابرة التي كتبت في الحديدة عام 1971 وهذا يثبت بيقين تصاعد مستوى هذا الفنان.

واعاد طبع المجموعة الأولى هذه ثانية سنة 1979.وثالثة سنة 1980 بيروت صنعاء دار العودة- دار الكلمة وسيعاد طبعها في المستقبل وينظر عن طاهش الحويان مقال الدكتور محمد محمود عبد الرزاق في اليمن الجديد ع6سنة 16/1407/1987. أما قصص مجموعته الثانية العقرب فمؤرخه وكلها من العقد السابع وقد صدرت عام 1982 بيروت – دار العودة – وقدم لها الدكتور المقالح في 9/9/1981 وقد بدا الدكتور المقالح مقدمته بما أثارت مجموعة طاهش الحويان من اهتمام لدى النقاد – وفيهم المصريون وأثنى على المجموعة بواقعيتها في رسم ملامح البيئة واختيار الشخصيات من الوسط الشعبي بدقائق حياتهم النفسية والاجتماعية على المقتضى الصحيح للواقعية الذي يحرص على المعادلة – الصعبة التي ينبغي للأديب أن يتقنها من خلال عنايته الفائقة بمضمون العمل الأدبي واسلوبه بجماليته ومكنون محتواه غير مستجيب الى الدعوات الجديدة التي أدت الى السطحية والاسفاف والخلو من الفن كما أدت الى الغموض أو الثرثرة أو التجريد. وزيد مطيع دماج في مجموعته الثانية يواصل البحث أكثر مما كان في المجموعة الأولى عن المعادلة الصعبة وهو غير مهتم بمتابعة الأشكالأ والانبهار بأساليب التعبير القائمة على تيار الوعي أو اللاوعي لأنه مشغول بما هو أهم. مشغول برصد ايقاع الحياة المتطورة سلبيا وايجابا وهذه المهمة تجعله يبتعد عن كل ما يبدد ملامح الرؤية. ويفتت العلاقة بين فن القصة وابعاد الواقع ومعطياته. واذا كان قد ازداد تخلصا في هذه المجموعة من قبضة الأساليب التعبيرية الخاضعة لفن الحكاية والأسطورة فما تزال المفاجأة التي سادت قصص الواقعيين في خمسينات وستينات هذا القرن عنصرا هاما من العناصر الفنةي البارزة في قصص زيد،وهي تبدو أوضح ما تكون في قصصه القصيرة جدا كما في العقرب والبغلة وهاي هتلر ويبرز دور الرمز في معظم قصص المجموعة الجديدة ويصل ذروه في قصتي فتاة مدبرة والعقرب وتشكل الرحلة وأول المنتحرين وهما أطول قصتين في المجموعة نواة عملين روائيين شاء لهما ايقاع الحاضر السريع أن يكونا ضمن هذه المجموعة من القصص القصيرة.

ويفهم من هذ أن زيد مطيع دماج يعي مهمته وما تتطلب من فن وأنه يتطور خلال هذا الوعي نحو الأحسن ولا يبتعد أن يأتي ضمن الأحسن للتخفف من عنصر المفاجأة كما تخفف من أساليب الحكي،ويأتي تجاوز اللغة العادية الى لغة فنية جديدة تلتصق بمعانيها كما تخفف من عبء الأخطاء اللغوية.

للدكتور المقالح فضل بارز على الحركة النقدية فضلا عن الابداعية ولكن فضله في رصد موهبة زيد مطيع يأتي في المقدمة.ومع الرصد توجيه صديق مخلص للقاص وللوطن وسيبقى معه كذلك ومع نتاجه،وزيد مطيع دماج قمين بالمتابعة والرعاية والتقدير لما دل عليه من تطور نحو الأحسن ولم يشغله شاغل من ادارة أو مال أو جاه أو حياة جديدة لا تخلو من رفاه أو طموح جديد أو مشكلات من نمط مستحدث. – وقد أصدر مجموعته الثالثة – الجسر اليمن – صنعاء – وزارة الاعلام والثقافة 1406/1986.

وجاء على غلافها الأخير لعبد الكريم الرازحي: لماذا هو الوحيد يمتلك القدرة على ترميم شروخ الذاكرة وإثارة شجون القلب ؟ وحد زيد بين شعراء وقصاصي بلادنا يكتب بتلقائية بأحزان قرانا وأشواق أمهاتنا إلى الحرية، ان زيدا في جميع قصصه القصيرة وفي روايته – الرهينة – ينقل المكان اليمني بشاعريته وتفرده والمكان عند زيد ليس اطار خارجيا أو مجرد وعاء بل هو كائن حي قصص زيد فيها حرارة الحياة يكتبها صاحبها بموهبة وتجربة وتواضع. ويواصل زيد مطيع دماج الكتابة والنشر حتى ليبدو الأبرز في الكتاب الذي شد مصيره إلى الفن القصصي وله في الطريق الى الطبع مجموعتان هما الغرارة والرحلة وثالثة تليهما. وكتب الدكتور عبد العزيز المقالح عن مجموعة الجسر في العدد الخاص بالقصة من اليمن الجديد مقالة بدأها بما نحن فيه من استمرارية دماج فقال: يذكرني زيد مطيع دماج بالأنهار الجارية المألوفة تلك التي لا تكف عن الجريان وتمد ما حولها وما في طريقها بالخضرة والنماء،ولأنها مالوفة دائمة العطاء لا يلتفت الناس اليها كثيرا ولا يفكرون في مصدر هذا العطاء الدائم ولا يتساءلون كيف تجمعت قطراته كما يحدث مع الينابيع الصغيرة تلك التي تجري في المواسم فيكون عطاؤها المؤقت مثار أحاديث وجدل طوال العام. زيد نهر من العطاء الأدبي لا يعرف التوقف ولا يكف عن الاكتشاف والتطور. في الحق أن زيد مطيع دماج مثل على المواظبة ومحاولة التطور والتطور الفعلي،ويمكن أن يعد نادرا في هذا الباب والا فما أكثر الذين بدءوا وما تطوروا وما أكثر الذين كتبوا فتوقفوا شغله المال أو الجاه أو المنصب،أو احتجوا بالمثبطات من كل نوع. وحسن على هذا أن نلم بسطور من حياة الأستاذ زيد مطيع دماج كما جاء على الغلاف الأخير من روايته الرهينة وكما أورده الدكتور عبد الحميد ابراهيم في ألوان فهو من مواليد عام 1943 وهو ابن المناضل السياسي المرحوم مطيع دماج نال الشهادة الابتدائية سنة 1957 من تعز الاعدادية المتوسطة سنة 1960 من بني سويف بمصر والثانوية العامة سنة 1963 من طنطا التحق بكلية الحقوق – جامعة القاهرة – وبعد عامين تركها ليلتحق بكلية الآداب أنهى فيها السنة الثالثة. عين محافظا وهو الآن مدير عام في وزارة الخارجية بدرجة سفير عضو في مجلس الشعب التأسيسي ومقرر اللجنة الثقافية فيه. شرع يكتب القصة وهو في طنطا أول أوائل الستينات. وبدأت الصحف تنشر انتاجه منذ سنة 1966.نذكر هذا لنعلم أنه في شد مصيره الى الفن القصصي أقوى من أن يشغل شاغل عنه والا ففي واحد من هذا المناصب ما يشغل زيادة عن مرض اجتازه وما عاقه. ونبقى ننتظر المزيد في التقدم وإذا كان قد كتب الرواية أيضا الرهينة ووعد بروايتين وقصة طويلة ومسرحية فاننا نخشى عليه التوزع والتشتت كما جرى للآخرين. لم ير تاريخ الفن القصصي في اليمن مواظبا قبل الأستاذ دماج أو معه وحتى هذ التاريخ غير محمد عبد الولي وقد رأينا مجاميعه الثلاث وسنرى روايتيه ولكن نهايته المفاجئة في حادثة الطائرة التي سقطت سنة 73 أدت الى انقطاع ما كان مقدرا له أن يتصل وقد ظل – مع ذلك – في منزلة عالية من الاحترام والتقدير الرائد الحقيقي لهذا النوع من الأدب وأعيد طبع آثاره وتعاد. وطبيعي وطبيعي جدا أن تجربة الفنان لا تثمر دون اتصال النتاج وفي هذا ما يهيب بالأكثرين الذين اتكأوا على مجموعة واحدة أو شبه مجموعة ثم غيروا مجرى نشاطهم إلى العودة ويدلهم على أن الذي قدموه ليس بشئ ما لم يشفع بما هو أحسن منه ليقيس الناقد مدى الموهبة لديهم.

 


Back to Home Page