تقديم كتاب "زيد مطيع دماج... دراسات وقراءات نقدية"

د.عبد العزيز المقالح

 

المبدعون لا يغيبون، بل إنهم لا يموتون، هكذا يقول تاريخ الإبداع في كل زمان ومكان، وهكذا تقول سيرة الغائب بجسده الحاضر بأعماله الإبداعية: المبدع الكبير زيد مطيع دماج، الذي كان قبل رحيل الجسد ملء السمع والبصر، وظل كذلك بعد الرحيل، وربما صار حضوره الآن أوسع وأكبر، فقد ظهرت أجيال وسوف تتلوها أجيال تبحث عنه وتطيل النظر في أعماله الإبداعية، قاصاً وروائياً وشاهداً على عصره. وذلك -في يقيني- بعض الجزاء الذي يتلقاه المبدعون مقابل عذابهم وبحثهم الدؤوب في فضاء الكتابة عن جديد يلتقطونه، وهي مهمة شاقة لا يعرف أبعاد مشقتها إلاَّ الذين احترقوا بنارها وعانوا نزيف المشاعر وأنفقوا الجزء الأكبر من أعمارهم في ترويض الكلمات وتوظيفها في أعمال فنية ترقى إلى إمتاع القارئ وإثراء وجدانه.

ومن النافل القول بأن المبدع زيد مطيع دماج واحد من هؤلاء المبدعين الذين احترقوا ليضيئوا، ولقد نجح في وقت قصير، بأعماله القصصية ذات الخصوصية الواضحة وبروايته البديعة "الرهينة"، في أن يحقق حضوراً داخل الوطن وخارجه؛ لا لأن أعماله تستمد وجودها من ذاكرة الشعب ومن مخزون الأرياف فحسب، وإنما لأن هذه الأعمال استطاعت بشجاعة نادرة الغوص في أعماق الحياة السياسية والاجتماعية، وأن تكون التعبير المتجدد عن الهم العام. كما اكتسبت رواية "الرهينة" خاصة مكانة مرموقة بين سائر الروايات العربية. ولم يكن اعتباطاً ولا مجاملة لذلك الراقد بجسده تحت ثرى قريته في "النجد الأحمر" أن يتم اختيار هذا العمل الروائي الفريد ضمن مائة رواية عربية نالت اهتمام القارئ العربي والعالمي خلال القرن المنصرم.

ويضم هذا الكتاب مجموعة الدراسات المعدة للندوة التي أقامتها "جماعة الغد" احتفاءً بمرور عشر سنوات على رحيل الروائي والقاص الكبير زيد مطيع دماج. وقد اكتشفت في أثناء مراجعتي لهذه الدراسات أن زيد يرحمه الله يحظى باهتمام نقاد من مختلف الأجيال والمدارس، وأن موهبته السردية كانت موضع إعجاب والتقاء من كل المهتمين بالنقد الأدبي، والفكر، والشعر؛ بوصفه موهبة إبداعية فذَّة، وإنساناً غاية في التسامح والحب للآخرين حتى لو كانوا من خصومه في الآراء، فالحياة "أصغر من أن نتعادى فيها وأن تتفانى" كما قالها أبو الطيب المتنبي منذ أكثر من ألف عام، بعد أن عاش تجربة قاسية مع المنافسين والخصوم. لقد كان زيد شديد الانبهار بالطبيعة وبالناس، ولم تصدمه التجارب المريرة مع البعض، بل رفعته إلى درجة يرى منها البشر على حقيقتهم الإنسانية المفرطة أحياناً في السلوكيات الصغيرة وأحياناً في السلوكيات الرائعة. وهذا ما تنطق به أعماله الأدبية التي كانت مرآة عاكسة لسلوكه.

ولست مبالغاً إذا ما قلت إن في مجموع هذه الدراسات ما يعد إغناءً وإثراءً، لا لتجربة زيد وحده، وإنما للتجربة القصصية والروائية بأكملها في بلادنا، فقد تناولت هذه الدراسات تجربة زيد في إطار شامل من الإبداعات والنتاجات السردية المتحققة، وما أفادته إيجابيات الانفتاح على الجديد من إنجازات وتجليات على درجة عالية من الابتكار والتجديد في الكتابة القصصية والروائية، وكذلك مشاهداته الذكية والطريفة عن المدن التي عاش فيها ورصد تفاصيلها وألقى عليها الباحثون في هذا الكتاب أضواء نقدية جديرة بالدراسة والاهتمام.

 

كلية الآداب- جامعة صنعاء

16/ 6/ 2009م


 

 


Back to Home Page