ست سنوات مضت منذ رحيل زيد عن عالمنا.. أو لنقل منذ أن رحلنا
عنه..فزيد لايزال موجوداً هنا بيننا..بين قرائه وأصدقائه
ومحبيه..بين جبال اليمن ووديانه.. شعابه وشطآنه..أغانيه وأحلامه..لايزال
زيد بين شخوص قصصه وعوالم إبداعاته.. اليمني المتعب من مرارة
الواقع والمرهق دوماً بالحلم الكبير والأمل اللا متناهي الذي يحمله
بين جوانجه.
لقد جسد زيد بإبداعه ارتباط الأدب اليمني بقضايا الوطن وأبنائه..لم
يكن إبداعه سرداً مترعاً ببهاء النص.. لكنه كان نتاجاً لوعي عميق
بتفاصيل المكان والزمان عند اليمني وتحولاته الاجتماعية والسياسية
المعاصرة..ولهذا فأن النص عند زيد مليء بقضايا فكرية ذات أبعاد
تتسع وتتكاثر كلما أعدنا قراءة أعماله من جديد..إنني شخصياً، وعلى
الرغم من قراءتي المتعددة لأدب زيد مطيع دماج ـ واحد من أولئك
الذين يعيشون تجربة جديدة كلما أعادوا قراءة «الرهينة» أو أول
المنتحرين أو الجسر أو بيّاع من برط أو رجل على الرصيف أو
الرحلة...الخ» أقول إنني واحد ممن يكتشفون كل مرة آفاقاً جديدة
للنص ورمزية لاتعلن عن نفسها بسهولة كسهولة النص نفسه، وكنت قد
قرأت دراسة كتبها الدكتور حاتم الصكر حول القراءة الرمزية لرواية
الرهينة واندهشت فعلاً لما يحتويه نص الرواية الممتع من ايحاءات
رمزية أكثر امتاعاً..ولقد سمحت لي الفرصة في الآونة الأخيرة بعد
انتهائي من دراستي في الخارج أن أعود إلى عالم زيد مطيع دماج
القصصي والروائي وأدركت خلافاً لما كنت أعتقده أنني اكتشف زيد مطيع
دماج وعالمه الإبداعي يوماً بعد يوم..أو لنقل قراءة تلو
الأخرى..أعرف أنني لست ناقداً أدبياً لكنني أستطيع القول إن قارئ
زيد مطيع دماج موعود على الدوام باكتشافات جديدة ومستمرة.
وأود هنا أن أشير إلى قضية تثار دائماً من قبل القراء وهي قلة إن
لم نقل اختفاء كتب زيد مطيع دماج من الأسواق والمكتبات..الكثير من
الناس ـ أصدقاء أو أدباء عرب عادة مايشتكون من عدم استطاعتهم
الحصول على رواية الرهينة أو على أي مجموعة قصصية أخرى فأجدني
حائراً ومحرجاً كلما طلبوا مني هذه الأعمال بصفة شخصية بعد أن نفذت
كل النسخ المتواجدة معنا منذ زمن بعيد.
القارئ هنا في اليمن وخاصة الجيل الجديد يعرف من هو زيد مطيع دماج
لكنه لايجد أعماله، في الوقت الذي شهدت الساحة الثقافية في اليمن
مؤخراً انتشاراً كبيراً للكتاب اليمني، وفي هذا الخصوص أود أن أوضح
بأن هناك العديد من المشاريع الأدبية التي ستقام في المستقبل
منها:ـ
أولاً: إنشاء موقع الكتروني على شبكة الانترنت يحتوي كل أعماله
الأدبية وكذلك كل الدراسات النقدية ليكون الموقع مرجعاً لكل
الباحثين والمهتمين بأدب زيد مطيع دماج..كما سنقوم لاحقاً بترجمة
هذه الأعمال والدراسات إلى اللغة الانجليزية ليسهل على الباحث
الغربي الاطلاع على نموذج رائد للأدب اليمني وأود في هذا الخصوص أن
أشير إلى أن الموقع موجود الآن على شبكة الانترنت وأن العمل جار
لاستكماله في القريب العاجل إن شاء الله.
ثانياً:ـ سوف يتم قريباً صدور الأعمال القصصية الكاملة في مجلد
واحد يحتوي على كل مجموعاته القصصية المنشورة.
ثالثاً:ـ سنحتفي قريباً إن شاء الله بصدور طبعة جديدة من رواية
الرهينة عن دار الجنوب في تونس الذي سيقوم بتوزيع الرواية في دول
المغرب العربي.
رابعاً:ـ هناك ايضاً مشروع إعادة أعمال زيد مطيع دماج جميعها
بطبعات شعبية لتكون في متناول مساحة أكبر من القراء في اليمن.
خامساً:ـ هناك ايضاً مشاريع مستمرة لترجمة أعماله القصصية إلى
اللغات الأجنبية..وكما تعرفون كنا قبل شهور قد احتفينا بصدور
الترجمة الهندية لرواية الرهينة.
سادساً:ـ سيتم نشر أعمال قصصية جديدة لم تنشر من قبل كما سيتم نشر
مقالاته الاجتماعية والسياسية المهمة المنشورة في الصحف والمجلات
اليمنية والعربية.
سابعاً:ـ سيتم نشر أعماله غير الكاملة مع أهم الدراسات الأدبية
التي كتبت عن الرهينة وعن أعماله القصصية إلى جانب نشر الكثير من
الوثائق المهمة التي تؤرخ لمسيرة الأدب اليمني.
وختاماً أريد أن أؤكد أن زيد مطيع دماج في ذاكرة اليمن وقرائه
ودارسي أدبه متجدد الحضور ولايزال الطريق لاكتشاف كنوزه الإبداعية
في منتصفه إن لم يكن في أوله..وأود أن أنهي حديثي بأبيات قصيرة
وجدتها مصادفة قبل أيام لشاعر العروبة الكبير سليمان العيسى الذي
أهدى هذه الأبيات لباحثة مغربية جاءت منذ أعوام إلى اليمن تبحث عن
أدب زيد «ولابد أن منكم هنا من التقاها»..يقول سليمان العيسى في
أبياته القصيرة مخاطباً الباحثة العربية:ـ
ابحثي عنهُ.. في نوافذِ صنعاءَ
وفي كل شهقةٍ يمَنيةْ
كان زيدٌ مسافراً
في العيون السودِ
في الفَقْر
في الخبايا البَهيةْ
كان نفحاً من عطرِ بلقيسَ
أبقَته..
لأهلي
للُمبدعينَ هَديةْ