زيد مطيع دماج.. إعادة اكتشاف دائم

د. همدان دماج


لقد كانت حياة زيد مطيع دماج في جميع جوانبها حافلة بالعطاء... عطاء إنسانيّ لا محدود في كل وأدق تفاصيل الحياة اليومية... وعطاء أدبي ما نزال نكتشف روعته وعمقه وغزارته يوماً بعد يوم... وعطاء وطني أقترن دائماً وأبداً بأخلاقياتٍ رفيعة لم تهزها الأنواء أو تضعف عزيمتها الأقدار...

لقد ولد زيد مطيع دماج في ظروف صعبة، وعاش طفولة بائسة مليئة بالمخاطر... ولم يكن ذلك حكراً عليه، بل كانت هذه هي طفولة الغالبية العظمى من أبناء جيله في ذلك العصر المظلم من تاريخ اليمن.  وعندما قدر له أن يلتحق بوالده المناضل الشيخ مطيع دماج بعد عودته من عدن ومرافقته له في المنافي العديدة وفي خضم الهم الوطني والسياسي تشكلت شخصيته ووعيه الثقافي الذي ارتبط على الدوام بالقضايا الكبرى وبالحلم العظيم الذي كان يراود كل الأحرار من أبناء الوطن آنذاك. وعندما سنحت له الفرصة للسفر إلى مصر عبد الناصر لإكمال دراسته الأساسية اكتسب وعيه الثقافي أبعاداً جديدة بعد أن أدرك حجم الهوة بين واقع بلاده المتخلف المكبل بأبشع القيود وأكثرها بؤساً، وما وصلت إليه الشعوب الأخرى من رخاء وكرامة. فانخرط كزملائه في العمل الوطني قبل قيام الثورة اليمنية وبعدها، وهذا ما عكسه الخط الأدبي الذي تبناه عبر كتاباته وإبداعاته السردية المفعمة بالمعاني والدلالات الرمزية العميقة، وبذاكرة وطنية متحررة حرص على أن توثق بأدق تفاصيلها للأجيال القادمة.

لقد كتب زيد أدبه للناس... ونقل عنهم آلامهم.. وآمالهم وتطلعاتهم نحو مستقبل أفضل... دافع عن قضاياهم الحياتية والوطنية... منتقداً بشجاعة الظلم والاضطهاد الذي يحيق بهم أياً كان شكله أو مصدره.  كتب كل هذا بأدب رفيع نقله من المحلية والعربية إلى العالمية عبر الترجمات العديدة والمستمرة التي حظي بها.

ولا تزال الدراسات النقدية العديدة المحلية والعربية، تكشف لنا يوماً بعد آخر جوانبَ جديدةً من إبداعاته السردية اللغوية والرمزية المتقدمة. وكأن تلك الدراسات، ومنها هذه الدراسات المقدمة لهذه الندوة، تحضُّنا على قراءات مستمرةٍ لأدب زيد مطيع دماج، ففي كل قراءة ستكتشفون كنزاً جديداً ورموزاً سردية مبهرة. 

وإذا كان زيد مطيع دماج قد كتب كثيراً عن معاناتِنا نحنُ اليمنيين، إلا أنه كان دوماً مبشراً بانتهاء تلك المعاناة وبمستقبل أفضل:

-      فالطفل "الذي أضاع أمهُ" في زحمة العولمة لابد وأن يجدها يوماً ما.

-      وشبح الرعب والاقتتال السياسي الذي كان يقود سيارة "الهيلوكس" يتحول إلى مواطن بريء يطلب العون من الطبيب.

-      و"أزمة البنت بشرى"، أزمة الفكر والحرية في بلادنا، ما تلبث أن تنفرج.

-      و"أحزان البنت مياسة" انتهت إلى فرح كبير.

-      و"المجنون" الذي ألغى الفوارق بين الطبقات في القرية أصبح أكبر الحكماء

-      و"العقرب" الذي هدد حياة الأبناء قُتل.

-      والشيخ، رمزَ الطغيان والفساد، الذي اغتصب أرض الرعوي المهاجر "العائد من البحر" قُتل أيضاً.

-      و"طاهش الحوبان"، الوحش الخرافي الذي أرعب الناس... أيضاً قُتل.

-      و"الرهينة"، رمز الشعب اليمني الذي كبلته قيود التخلف والكهنوت، تحرر وفرّ بلا رجعة، نحو الحرية.. والمستقبل.  

هذا هو أدب زيد مطيع دماج، وهذه هي نبؤاتُه المفعمةُ بالأمل...

  

Back to Home Page