أرملة الفرن الجميلة

 

 

يغمرني الشوق كل صباح باكر لكي أصل أول الناس إلى (باب السبح)1 صيفاً أو شتاء..!  أحجزُ لي دَوْراً لتناول إفطار ساخن في حانوت الحاج (زعتر) الضيق.. وجبة (قنم).. عبارة عن لحم مفروم مشوي على سنارات حديدية (يجغصها) 2  الحاج (زعتر) بأنامله الصفراء النحيفة جداً وبوجهه الممقوع أيضاً لتصبح تلك العجينة من اللحم المفروم (كفتة).. كم اُصاب بخيبة عندما أصل إلى (باب السبح) وأجد حانوت الحاج (زعتر) مقفلاً.. يدلني على ذلك لمبة كهربائية صغيرة جداً ذات لون أزرق مضاءة على الباب تدل على عدم وجوده..

كنت قد تعودت الإطلال بنظري بلهفة من (باب السبح) لكي أطمئن لتصاعد دخان (نير) حانوت الحاج (زعتر).. فإن وجدت ذلك الدخان هدأت مطمئناً وإن لم أجده أُصبت بخيبة أمل مؤلمة فأعرَّج على بائع (البُرَعي) 3  اُزاحم خلق الله السذج بنكاتهم وأخبارهم العجيبة السمجة وأرشف (مدرة) 4  من (البُرَعي) الساخن مع مسحوق الزعتر والكمون و(البسباس) الحارق ويطيب لي تناول ذلك أمام بائع (الزلابيا) المجاور الفتى الجميل الذي يزيد من جماله وملوحة محيّاه حرارة الزيت المغلي داخل القدر النحاسي الواسع وهو يتفنن في صنع أقراص (الزلابيا) بأسلوبه الدقيق الرتيب السريع الحركات الذي تعلمه عن والده وعن أخيه الأكبر بائع الشاي وبعض من الفول الذي كان ينفذ من (قدِره) في الساعات الأولى من الصباح الباكر..! لم أذق أي قرص مثلها في حياتي من قبل ومع ذلك لم أتلذذ وأنا أرشف (مدرة البرعي) اللاهبة..  كنت أتفرج على صانع أقراص (الزلابيا) بحركاته البديعة ونكاته اللاذعة وعلى الناس في الشارع والزبائن المتلهفين داخل الحانوت الضيق أو في خارجه وعلى مداخل الزقاق الفرعي الذي غالباً ما يتناول النساء وجباتهن فيه...

 

* * *

 

كان حانوت الحاج (زعتر) الضيق يحتل سفل مبنى قديم عريق مكون من عدة أدوار يحتل نفس مساحة الحانوت الضيق لكنه يتغير بحسب الارتفاع.. فالدور الذي يعلو الحانوت عبارة عن مكان صغير تتخلله نافذتان صغيرتان جداً أما الدور الثالث ففيه نافذتان تسمحان بدخول رأس الساكن تطلان على الساحة أما الدور الرابع ففيه نافذة واحدة فقط لكنها واسعة جداً تحتل معظم واجهة الدار...

البناء بحانوته وأدواره الأربعة يرتبط ببناء مجاور له وعريق مثله بواسطة جسر معلق يصل الأدوار العليا لكليهما ويربط بينهما.. ظننت أن البناء ملك صاحب الحانوت الحاج (زعتر).. وكان هذا ظني واعتقادي دائماً.

 

* * *

 

عندما أطل على مدخل (باب السبح) وأتأكد من وجود الحاج (زعتر) في حانوته أعرج بسرعة إلى مدخل زقاق ضيق لأشتري قرصاً من الخبز الحار من فرن أُقيم داخل (سمسرة) قديمة كانت في الماضي تعصر زيت (الجلجلان) و(الترتر) بواسطة جمل عيناه معصوبتان يدور ويدور ليلاً ونهاراً حول المعصرة الحجرية العملاقة.

وأخيراً تحولت السمسرة مع الوقت إلى فرن مشهور أيضاً ينتج صبيانه أقراصاً دافئة منتفخة وساخنة لصباح يوم بارد... تشرف على إدارة الفرن مديرة هي صاحبة الفرن كما خيل لي.. آخذُ قرصي الساخن الخارج تواً من أتون الفرن وأضع قيمته في كف المديرة صاحبة الفرن. إمرأة يداها جميلتان مخضبتان بالحناء ومزركشتان بالخضاب الأسود تزينهما عدة أساور ذهبية لامعة متناسقة بنعومة واضحة مع بياض تلك اليدين الشمعي اللون الجميل، وعينان واسعتان تطلان من خلال (اللثمة) الموضوعة على وجهها وصوتها الرنَّان بلهجة محببة...

أتجه ومعي القرص الحار الساخن أتلاعب به بين يديّ وأنفخُ عليه بفمي لكي أقلل من سخونته المحرقة وأزاحم خلق الله لأحجز مقعداً في حانوت الحاج (زعتر) فوراً وأنتظر بين الدخان ورتابة صوت المروحة التي حلت محل الكير...

 

* * *

 

أصلُ إلى فرنها وأنتظر دوري لأخذ قرصي الحار المعتاد.. أتلاعب به بين يديّ وأنفخ عليه بفمي كما هو معتاد كل يوم... أصبحت مع الأيام أنظر إليها بشغف.. أتمعن في وجهها وعينيها المكحلتين وأجزاء جسمها الفاتن... تظهر مفاتنه من خلال (زنّتها) 5 الحريرية المزركشة اللاصقة بجسمها التي تبرز صدرها البض ونعومة ثدييها الممتلئين وسلسلة من الذهب تتدلى فوق نحرها الواسع الممتلئ تتأرجح من ثدي إلى آخر عندما تقوم بتوزيع الأقراص للزبائن...    

 

* * *

 

ومن يوم إلى آخر أقترب منها أكثر بنظراتي إليها.. وبادلتني نظراتها أيضاً.. كأن تقدم قرصي قبل الآخرين إيثاراً لي حتى لو وصلت بعدهم. كنتُ متألماً لعدم بقائي لفترة طويلة كالآخرين لكي أنظر إليها والتهم جسدها بنظراتي وأسمع صوتها الرنان باللهجة (الصنعانية) تدغدغ القلب قبل الأذان. قلتُ لصاحبي بعد خروجنا من بوابة الفرن الكبيرة متسائلاً باندهاش:

-        ألا ترى معي أن صوت اللهجة الصنعانية له وقع محبب في الأذن و..

قاطعني قائلاً:

-        صوت المرأة فقط ... أما الرجال فإن أنكر الأصوات...

تنبهتُ فعلاً لذلك وصمت، فاستمر مكملاً حديثه ونحن نتجه إلى حانوت الحاج (زعتر) قال ضاحكاً:

-        لا أعتقد أنك نسيت بهذه السرعة أصوات الزبائن في حانوت (القنم) وحانوت الكباب ودكان (البُرَعي) و(الزلابيا) وأصوات غلمان الأرملة في الفرن..!؟ يبدو أنك نسيت ذلك لشغفك بأرملة الفرن.

 كانت هذه هي المرة الأولى التي أعرف أنها أرملة..

 

* * *

 

كعادتي وصلت مبكراً إلى داخل الفرن.. نظرتُ إليها ونظرت إليَّ. أبطأتُ هذه المرّة نقدها قيمة الرغيف عسى أن أطيل البقاء أمامها. نظرت إليَّ وأطالت النظر.. قذفت برغيفي الساخن جداً إليَّ فجأة وهي تبتسم وارتبكتُ عندما حاولتُ التحكم بالرغيف بين يديّ.. وسقط على الأرض وأخذته بارتباك أيضاً وأنا أحاول إعطاءها قيمة الرغيف. ضحكت بصوت هادئ ولم تلتفت إليّ فدفعتُ القيمة لأحد غلمانها الذي نظر إليَّ بخبث وحقد دفين وأخذ القيمة من يدي بعنف..!

 

* * *

 

 هِمتُ بها.. أصبحتْ في خيالي ليلاً ونهاراً.. أرى صورتها وأسمع صوتها الرنّان الشجي المحبب بلهجتها الصنعانية التي لم يُخلق مثلها في البلاد...

في الصباح أصل محل عملي.. أوقّع في دفتر الحضور وأستأذن من مديري للخروج للإفطار.. كان جميع الزملاء في الإدارة، والمدير نفسه، يعرفون ولعي (بباب السبح) بما يقدمه من وجبات لذيذة.. (قنم)، كباب، (زلابيا) و(بُرَعي) ومشروبات مروية كشراب الشعير والزبيب ومختلف أنواع الحلويات (كالرواني) و(القطائف)..الخ يعرفون كم أنا مغرمٌ بذلك كله لكنهم لم يعرفوا حتى الآن بهيامي بأرملة الفرن الجميلة التي كانت ألذ من كل تلك الأكلات والمشروبات والحلويات..

 

* * *

عشقتها.. وبادلتني نظرات الإعجاب والاهتمام كما خُيل إليّ.. وأصبحتُ مفتوناً بها.. استولت على كل حواسي.. وأصبحت شغلي الشاغل.. في دفتر العمل أرى صورتها في كل صفحة.. في الشارع أتخيل أني أتأبط ذراعها ونسير تكاد تلتصق بي.. في المنزل أحاول كعادتي أن أقرأ كتاباً أو أن أكتب موضوعاً فأرى صورتها في كل صفحة وفي كل ورقة...

 

* * *

 

كان عليَّ الاقتراب منها أكثر رغم مخاوفي من حقد غلمانها وكرههم لي.. غيرتُ من عادتي بالوصول إلى فرنها باكراً لأخذ منها قرص الرغيف الساخن وأتجه به لتناول (القنم) فأصبحت آخذ صحن (القنم) مع طاسة (السحاوق) اللاهب وأذهب إليها لأخذ قرص الخبز الدافئ... وأجلس على ناصية الزقاق المقابل لباب الفرن أتناول ذلك وأنا أتأملها بنظراتي اللاهبة.. وإذا سألني أحدٌ من غلمانها بجفاء أعتذر بأنني أستمتع بحرارة الشمس في هذا اليوم البارد... فيقول:

-        ولكن حانوت (القنم) أكثر دفئاً...!!!

وأجيبه بعدم اهتمام:

-        دخان الحانوت أصبح يزعج نظري..

فيتجه إلى داخل الفرن غاضباً...

 

* * *

 

إقتربتُ منها أكثر فأصبحتُ أرشف مدرة (البُرَعي) الساخن اللاهب على عتبة باب الفرن الكبير وأطلب منها قرصاً حاراً مرة أخرى لأتناوله مع (البُرَعي).. ضَحكتْ بغنج صنعاني والتفتتْ إليَّ بدلال قائلة:

-        ألم تشبع في حانوت القنم...؟

ارتبكتُ قليلاً وهي تناولني قرص الخبز الساخن ولم أجبها وشعرتْ هي بخجلي في الإجابة لكنها ابتسمت...

 

* * *

 

إقتربتُ منها أكثر وأكثر فأصبحتُ أتناول صحن (الرواني) أيضاً على عتبة باب فرنها الكبير.. وحتى شرابي المفضل من عصير الشعير والزبيب أيضاً.

عندما أعود إلى عملي القريب من (باب السبح) أنظر إلى ساعتي.. لقد تجاوزت ساعة وربما ساعتين.. وأهرول مسرعاً لكن مديري المحترم وزملائي أيضاً يستنكرون بلطف تأخري وأعتذر لهم بأن شجاراً حاداً في سوق (باب السبح) قد اندلع وأنني انشغلت لأصلح الشأن بين المتخاصمين.. كانوا يعرفون بأنني عادة ما أصلح الشأن بين المتشاجرين فيتغاضى المدير عن ذلك وبعض الزملاء الذين يبتسمون بخبث مما أثار هاجسي في الليل وكنت أسأل نفسي هل عرفوا حكايتي...؟ ربما... وحتى أصدقائي في سوق (باب السبح) ربما عرفوا ما عرفه أصدقائي في العمل.. ربما.. وبالذات عندما بدأت مؤخراً بتناول مأكلي ومشربي بعيداً عن أماكنهم.

كان سكان سوق (باب السبح) يحترمونني كثيراً من طول العشرة معهم.. يقدمون لي ما أطلبه قبل الآخرين.. ربما كان ذلك، كما خُيل لي، لأدبي الجم ومظهري الحسن اللائق ولأنني مثلاً أقوم بتقديم الصحون الفارغة التي يتركها الزبائن في حانوت (القنم) أو (الكباب) لغسلها بالماء الساخن الحار..  وأقوم بإرجاع (المدر) لصاحب (البُرَعي) التي يتركها الزبائن أيضاً خارج حانوته وعلى رصيف الزقاق المجاور...الخ لذلك كنت أعتبر نفسي بلا مبالغة نجم سوق (باب السبح)...!!

كانت هذه الألفة تغمرني بسعادة... وبالذات عندما يخاطبونني أو ينادونني بلقب (أستاذ)..

-        الأستاذ أولاً...

-        أفسحوا للأستاذ مكاناً...

-        أهلاً بك يا أستاذ...

-        لا تكلّف نفسك يا أستاذ... إدفع مرة أخرى

-        افسحوا مقعداً للأستاذ ليجلس...

-        افسحوا الطريق للأستاذ ليخرج...

-        مع السلامة يا أستاذ...

-         

* * *

 

شعرتُ بأنها تريدني أن أقترب منها أكثر وأكثر عن ذي قبل.. إلى داخل الفرن وليس على رصيف الزقاق المقابل أو على عتبة باب الفرن الكبير.. فوجئتُ بأنها أعدت كرسياً خشبياً قديماً مهترئاً قد أكل منه الدهر وعفى عليه الزمن..!! لكنني كنت أعتبره كعرش أكبر الأباطرة والقياصرة...!

عندما كان يخف الزحام من زبائن فرنها تجلس بجواري.. تحادثني برقَّة وأحادثها بأحسن منها.. عَرفَتْ تفاصيل كاملة عني.. وعرفتُ أنا أيضاً تفاصيل حياتها.. عَرفَتْ هيامي بها.. وعرفتُ أنا أيضاً اهتمامها بي.. وعندما أتأخر كثيراً معها كان غلمانها يزأرون لكنها كانت تنهرهم بقوة...!

 

* * *

 

ذاع صيت هيامي بها... كما ذاع صيت اهتمامها بي...!! لم أكترث لذلك فقد أجهدتُ نفسي أن أكون طبيعياً في عملي وفي سوق (باب السبح)... قال صاحبي لي وأنا متجهٌ بصحن (القنم) إلى فرنها بينما هو قادم منه:

-         هناك فرق بين الهيام والاهتمام... ألا تعي ذلك...؟!

واصلت السير دون أن أعيره انتباهاً

 

* * *

 

خرجتُ من باب الفرن إلى الزقاق كعادتي... شعرت بأيدٍ غليظة تشدني إلى الخلف وتطرحني أرضاً وتنهال على وجهي وجسدي بالرّكل والرفس واللكمات العنيفة... حاولت جاهداً أن أقاوم..  وأن أبذل قصارى جهدي للدفاع عن نفسي.. استطعتُ أن أقاوم ببسالة قدر استطاعتي... لكنني شعرتُ بمهانة من أن يُمرّغ بي وسط التراب وأنا أمام باب فرنها... نهَرتهمْ هي بصوت عالٍ ليكفوا عن الشجار...!!

لملمتُ شتات نفسي وملبسي.. ومسحتُ بعض دماء جراحي.. وانتصبتُ كأن شيئاً لم يحدث... ولم أتجه صوب مقر عملي القريب من (باب السبح)... بل أخذتُ سيارة أجرة واتجهت إلى منزلي.. بعد فترة راحة في المنزل اكتشفتُ أن جراحي من الداخل أشدُّ ألماً وأنكأ من الخارج...

ظللت أحوم وأحوم حول سريري داخل الغرفة وحول مكتبي أيضاً بألم... وربما بفكر آخر...!!

أُصبت بقلق وسهاد طوال الليل... هل أستسلم...؟ هل أقاطع عملي..؟ هل أقاطع حياتي في (باب السبح)..!؟

 

* * *

 

اتجهتُ صباح اليوم التالي كعادتي إلى مقر عملي غير مظهرٍ لأي ألم... واعتذرتُ عن عدم عودتي البارحة إلى العمل لفضّ شجار طويل في (باب السبح) اُستخدمت فيه الأسلحة النارية والبيضاء...

عبِسوا بوجوههم وأخبروني بالحقيقة.. وبأنهم مستعدون لأن ينتقموا جميعاً لي... أخبرتهم بأنه لا داعي لذلك وأنه لم يحدث شيء ذا بال... وإذا كان قد حدث فأنا المخطئ...

تركتهم واتجهت نحو (باب السبح) وهم غير مقتنعين بما قلته... تكرر ذلك عند الحاج (زعتر) صاحب (القنم) وبعض الزملاء من زبائنه.. قالوا أنهم على استعداد للإنتقام لي منهم... وأقنعتهم بأن شيئاً لم يحدث وإذا كان قد حدث فربما كنت أنا المخطئ...

وتكرر ذلك في حانوت (الرواني) وحانوت (البرعي) وحانوت شراب الشعير والزبيب وكادت دموعي تنزلق من مآقيها... لكنني استطعت حبسها وعلَّلت ذلك نتيجة لدخان حانوت (القنم)...!!

 

* * *

 

لم أنقطع عن (باب السبح) في أي يوم... وكلّما مرت الأيام نسي الناس تلك الحكاية... لكنني لم أزل أهيمُ بها ليلاً ونهاراً... أكتمُ ذلك في داخلي.. ورغم ملاحظة الآخرين لهزالي واصفرار وجهي إلا أنني كنتُ أحاولُ أن أبدو أكثر مرحاً وإشراقاً عما كنتُ عليه من قبل...

 

* * *

 

أخذتُ قرص الخبز كالعادة من الصبي الذي يبيعه بجوار باب حانوت الحاج (زعتر) ودخلتُ به إلى الحانوت رغم الدخان المزعج.. وقبل أن أجلس على المقعد قدمت له الصحون الفارغة التي تركها الزبائن الذين "لا ذوق لهم" كما كان يقول.. فيغسلها بالماء الساخن.. كان يعرف بأنني أشفق عليه.. فهو الوحيد الذي يقوم بالعمل كله بعكس الحاج (مغلس) الذي يهتم بإعداد الكباب فقط بينما يقوم أحد أبنائه بغسل الصحون وأخذ النقود وتوزيع الوجبات...!

قدّم لي وجبتي في صحن مع صحن (سحاوق) لاهب قبل أن أجلس على الكرسي ولم يأبه لبعض أصوات المحتجين الذين لم يعرفوني من قبل... وصاح بمن يقفون أمام باب الحانوت بأن يبتعدوا عنه لأن (الأستاذ) قد تضايق من الدخان...

وبينما كنتُ منسجماً كالعادة بأحاديث الزبائن ونكاتهم السمجة أظلم باب الحانوت ودخلت فجأة إمرأة وبيديها عدة أقراص ساخنة من الخبز وزاحمت المجاورين لي واستقرت بجانبي... ملاصقة لي تماماً... دَفعتْ مبلغاً كبيراً للحاج (زعتر) لصحن كبير من (القنم) و(سحاوق) أكثر... عندما شعرتٌ بجسدها ملاصقاً لي شعرتُ بأن شيئاً قد حدث لي.. وعندما ناولها الحاج (زعتر) الصحن الكبير من (القنم) وطاسة (السحاوق) الممتلئة سكبت كل ذلك في صحني الذي كان فارغاً... ونظرتْ إليّ بابتسامة حزينة ودموعها تنهمر معلّلة ذلك نتيجة دخان الفحم الذي لم يعد موجوداً بعد خروج الزبائن... ابتسم الحاج (زعتر) لذلك ونظر إليَّ وإليها بفرح شديد...!!!

 

 

صنعاء - 1/7/1994

 

الهوامش

 

(1) سوق شعبي قديم في وسط العاصمة صنعاء

(2) يجغصها = يعجنها

(3) البرعي = البازلاء المطبوخة مع (الحطم) وهو نوع من البهارات الذي يضفي عليها اللون البني

(4)  المدرة =  وعاء من الفخار ، جمعها (مدر)

(5)  الزنة = الثوب