الزعفرانة
 

عبد الكريم الرازحي
 

إلى زيدمطيع دماج الأديب والانسان, والى روحه " الطَّوْلقةْ " التي تقف شامخة في قرية "النَّقِيلَيْنْ"*

 


قِفَا نبكِ "زيداً"

ونبك رحيلَ الجيادْ

قِفَا للبكاءِ

قِفُوا للحدادْ

يا لهذي البلادْ!

كلما أينعت سنبلةْ

اصطفاها الجراد!

قفي يا "سعادْ"

وقوفاً سنبكي بهذا المكانْ

سنبكي "الرَّهْينَةَ"

نرثى حصان الرِّهانْ

قفي قربَ هذا الضريحْ

فقلبي جريحْ

وجرحي .. فسيحْ

مسيحٌ يئنُّ

نبيٌ يصيحْ

هو الموتُ , قبلي اصطفاهُ

وأركبهُ ناقةً

علَّهُ يستريحْ

كان "زيدٌ" يقولُ

بأن النجومَ

ستأفلُ يوماً

وتبقى الفُلُولْ

بأن البغالَ ستجتاحنا ذات يومٍ

وأعناقنا

سوف تُسحقُ

تحت حوافرِ خيلِ المغولْ

كان يبدو حزيناً

شديدَ الذهولِ

وكان يقولُ

بأنَّا سنمضي الى جهةٍ

لن نفيقَ من حلمنا

سوف تُعشبُ أقدامُنا

وتنبعُ بين أصابعنا

أنهرٌ وغيولْ

فعولٌ فعولْ

و "زيدٌ" يموتُ

ولكنهُ خالدٌ بيننا

رهينتهُ في البيوتِ

وفي كل بيتٍ

وذكراها لن تمَّحى

سوف تغدو "الرهينةُ"

نجمتَنا في المساءِ

وجمرتَنا

في شتاءِ الفصولْ

لئن مات "زيدٌ"

فإن "الرهينةَ" حيٌ يعيشُ

لقد حلَّ فينا

وغادرَ "زيدٌ"

وزادَ علينا

فيا حسرتاهُ

سيبقى "الرهينةُ" من غير"زيدٍ"

وحيداً سيشقى

سيلقى العساكرَ في كل بابِ

ولن يستطيع الفرارَ

سيرمونهُ بالكلابِ

سيبكي كثيراً

ولكن "حَفْصةً"* سوف تعودُ لإغوائهِ

"زاملُ" الجَنْدِ يبعثُ فيهِ الحنينَ الى أمهِ

( يا رهينة

قد امك

فاقده لك

دمعها كالمطر)

سيجري "الرهينةُ" رُغْم الخطر

وتقذفهُ "حَفْصةٌ" بالحجر

وقبلَ الوصولِ الى المُنْحَدَر

سوف يُغْمى عليهِ

وسوف يُعاد الى قصرها

سيبقى "الرهينةُ" في خِدْرِها

يُعاني الهمومَ

ويحصي النجومَ

وبعد العشاءِ

(يعمِّر بُورِيْ

وَيَنكُتُ بُورِيْ)

ويوقظُ جمرَ أنُوثتها

في ليالي الشتاء.

"حَفْصَةُ" تصهلُ في خِدْرِها

وتدخِّن تبغ البغاءِ

دماءَ الرهائن

و "الزعْفَرانةُ" إسطبلها فاجرٌ

من يخيطُ لها فرجها؟

ويخيطُ الفروجَ

يفرِّج عنَّا

ويرفعُ هذا البلاْءْ؟

"الزُعْفَرانةُ" لا تستحي

لا حياءَ لها

كلما افتضحت

رفعت ذيلها

وارتقت في المكانْ

كلما شهَّر "البَوْرَزَانُ" بها اشتهرت

"زْعَفرانَةُ" في "حارةِ الزَّعْفَران"

يا لهذا الزمان!

لا "الحصانُ" حصانٌ

ولا الشعرُ شعرٌ

ولا الخمرُ خمرٌ

ولا الدنُّ تشبهُ تلك الدِّنَان!

دانْ وادانْ دانْ

هو القاتُ

قوتُ القرودِ

وعشبُ الشرودِ

ومملكةُ الهذيان

في كوكبِ القاتِ نحيا

وللقاتِ حزبٌ

وعيدٌ

وأعيادُ في كل يومٍ

تعودُ بنا للوراءِ

وتتركنا في العراءِ

مساءً ننامُ على هرجٍ

في الصباح

نفيقُ على مِهْرَجانْ

دان واليل دانْ

هو "الخيلُ"

والليلُ

والويلُ

والإمتهانْ

هو الجوعُ

والجهلُ

والعرشُ

والصولجانْ

هي "الزعفرانُ"

تَكرُّ

تَفرُّ

وتُقبلُ

تُدبرُ

ترفعُ كلَّ ذليلٍ جبان

هي الآنَ

في ذروةِ الهيجانِ

تهيجُ

تموجُ

تعيثُ

تروثُ

تَذِلُّ لمغتصبيها

وترفسُ من يمتطيها

ويُشعرها بالحنانْ

دان واليلُ دانا

وفي البئر نفطٌ

وفي البيت قحطٌ

وسبعُ عجافُ قفانا

قِفا نبكِ "هنداً"

قِفا نبكِ "دَعْداً"

نودِّع "هُرَيْرَةَ" عند الرحيلْ

قفوا مرةً

واسألوا نجمةً

لماذا الكواكبُ لا تستقرُ

وكَوكبنا مقعدٌ وحسيرْ

كلُّ يومٍ عُواءْ

كلُّ بيتٍ عويلْ

من يهبْ لي دموعاً

فقد جفَّ دمعي

وجفَّت بحورُ "الخَليل"

إن حزني نبيلٌ

وللموتِ وقعُ النبالْ

وهذي البلادُ.. إمّا نموتُ

وإمّا نشدُّ الرِّحالْ

لكلِّ مقامٍ مقالْ

لكن "زيداً"

أُثارَ الغبارَ

ومرَّ علينا

مرورَ الخيولِ

ومثل الخيالْ

فاعذروني إذا قلتُ مالا يُقالْ:

لكلِّ زمانٍ دولةٌ وبغال.

 

 


Back to Home Page