Back to Critics Page
Back to Home Page  

يكتب كما يرى أو يتذكر

 مقدمة الرهينة في طبعة كتاب في جريدة

يكتب زيد مطيع دماج كما يرى أو كما يتذكر وينقل أحاسيسه ومشاعره بحرفية من يضع في الكلمة كل شيء , فهي الجسد وهي المكان وهي الضائقة وهي الفرج وهي أخيرا الملجأ المطمئن الذي يأوي إليه ليحميه من كل أشكال المخاوف التي تحدق به في عالم غير مقتنع به يحاول مرعوبا مسحورا أن يكشف أسراره ويفك طلاسمه بروح طفل حذر جريء , عيناه تبرقان كشفرة خنجر يماني.

 إن دماج روائي النبرة الخافتة والصورة المتكاملة الأبعاد بكل نتوآتها وظلالها والتي لا يمكن لنا , مع ذلك تسميتها بالفوتوغرافية , لأنها تنأى بكل مضامينها وطقوسها عن هذه الصفة الجادة خاصة وإنها منجزة في ذاكرة اللغة قبل مخيلة الكاتب , الذي وهو ينقلها لنا , لا يجرؤ على أن يخدش صفو إصغائه لها وعذوبة انسياقه وراءها لا بوعي أيديولوجي ولا بتقنية مركبة ومعقدة ولا حتى بتداعيات حلمية أو سواها .
هكذا يقودنا دماج إلى قصور الخرافة العربية حيث النساء والجواري والغلمان والحرس المفتون بالأسرار والملوك المؤطرين بالحجاب والحواشي والشعراء المداحين في قصر الإمام اليمني كاشفا خباياه , متسللا إلى دهاليزه وتحت أردية نسائه الملونة بالشهوة والخوف.
 

الرهينة واقع حكاية لا حكاية واقع يمكن أن يتحقق أو هو قد تحقق , عاشه المؤلف أو كاد . أهميتها أنها تخرج من خزائن الذاكرة العربية السحيقة وهي بنت سنواتنا ومعاصرتنا هنا في جنوب الجزيرة العربية في بلد عربي هو اليمن . هذا اليمن الذي يدخل الألف الثالث الميلادي وعلى كتفه جلباب الجبل المطرز ببهاء العمارة العربية الأصيلة والموشى بالمدرجات الزراعية الألفية التي تغسل أقدامها في بحيرة سبأ وسدها الأسطوري تحرس قيلولته أشجار القات في انتظار عودة الأمطار الموسمية والأبناء المهاجرين في كل أنحاء المعمورة . بين ملامح المعاش / المتخيل اليمني وبين إيماءات واختلاجات الموروث العربي الإسلامي ترتسم مثل شريحة عمودية لحالة عربية تتجاوز حدود اللغة والأدب والاجتماع لتعكس بمراياها الداخلية سؤال الزمن العربي الإسلامي بين الماضي والحاضر , هذا الأخير الذي صار يدير ظهره كليا عن المستقبل ليستقبل صورة ماضيه وحدها لا منازع , مفتونا بها تاركا شعوبا ومصاير في وحل المعاش وانهيار العالم حواليه. إنها تطرح السؤال بشكل جديد وكأنها لا تريد جوابا . تلك عفوية دماج في هز جدران الحاضرة العربية واليمنية بالذات.