ليس سوى النظام البرلماني كحل جذري للأزمة اليمنية

  همدان دماج
2-7-2011

لقد استطاعت حالة الجمود الراهنة التي تعم كل أطراف المشهد السياسي في اليمن، بما في ذلك ساحات التغيير، أن تُغيّب الكثير من الرؤى والأفكار المتقدمة التي كانت قد تشكلت خلال الأشهر القليلة الماضية، ومن أهمها مشروع النظام البرلماني الذي يعد فرصة تاريخية ليس فقط كحل جذري للأزمة اليمنية الراهنة، بل كضمانة أكثر حظاً لاستقرار سياسي طويل. فهل ينجح اليمنيون في استغلال المنعطف التاريخي الذي تعيشه البلاد لصنع مستقبل سياسي جديد يلبي طموحات ومطالب الشعب أم يغوصون كما هي عادتهم في وحل التقاسمات اللاوطنية أو في الرمال المتحركة الآتية بحلول جاهزة من صحراء الشمال؟


هل كان متوقعاً في ظل المستجدات الأخيرة وتطورات الأحداث أن يصل الفعل السياسي في البلاد، بل وحتى النشاط الشبابي الثوري في الساحات، إلى ما وصل إليه من حالة سكون هي أقرب للجمود والعجز منها إلى التهدئة؟ لا أعرف، لكن يبدو الأمر وكأنما ينتظر اليمنيون بمختلف أطيافهم السياسية والشعبية من يقول لهم ما ينبغي فعله بعد أن وصلوا إلى طريق مجهولة المعالم. وإذا كان الأمر كذلك فهل هناك ما يبرره؟ ذلك أنه على الرغم من كل ما يمكن أن توصف به الأشهر الخمسة الماضية التي عاشها اليمنيون، وعلى الرغم من اختلاف وجهات نظرهم حول تقييم أحداثها وتفاصيلها، إلا أنه من المؤكد أنهم قد عاشوا، وربما ما يزالون، فترة تاريخية مهمة من تاريخهم المعاصر، وأن هذه الفترة شكلت، وما تزال، منعطفاً تاريخياً يمهد الطريق لإعادة بناء نظامهم السياسي، والقفز به إلى آفاق أكثر تطوراً، آفاق تتخطى حدود رحيل الرئيس والترتيبات التي تحددها المبادرة الخليجية الأخيرة إلى بناء دولة يمنية برلمانية حديثة خالية من الفساد وموعودة بالنماء والرخاء. آفاق تتخطى الحنين الدائم للغوص في وحل التقاسمات السياسية، التي عادة ما تكون دوافعها لاوطنية ونتائجها كارثية على الشعب، إلى التهيئة لانتخابات حرة ونزيهة تتنافس فيها القوى السياسية والاجتماعية لتشكيل برلمان يُسيّر دفة الحكم في البلاد.

والملاحظ أنه في ظل حالة الجمود السياسي هذه، تم ما يمكن أن يكون تجاهلاً متعمداً، أو التفافاً حول الكثير من الأفكار والمطالب التي أنتجها الحراك الشعبي في الساحات أو حتى خارجها، وأهم هذه الأفكار والمطالب في اعتقادي، هو تبني مشروع النظام البرلماني كأسلوب في الحكم بدلاً من النظام الرئاسي. والحق أن فكرة النظام البرلماني كانت قد تصدرت في فترة من الفترات مطالب ثورة التغيير والخطاب العلني للمعارضة، بل أنها قوبلت بالترحاب من قبل السلطة كما جاء في أكثر من خطاب للرئيس في تلك الفترة. كل هذا يجعلنا نتساءل: لماذا تم الالتفاف على هذا المشروع الذي يعد حلاً متكاملاً، بل ومستقبلياً، للأزمة اليمنية؟ ولماذا تريد المعارضة نظاماً رئاسياً ظهر فجأة ضمن بنود المبادرة الخليجية التي وقعت عليها؟ هل كان ذلك ضمن تحول في موقف السلطة مثلاً؟ وهل استشارت المعارضة شبابها في الساحات قبل أن ترمي بمطلب النظام البرلماني عرض الحائط؟ لماذا نسى الشباب هذا المطلب وخضعوا للمتغيرات المتسارعة التي فرضت عليهم مطالب من نوع مختلف؟ هل هناك من يستطيع أن يقول لنا ماذا يجري من حولنا؟

من المؤكد أن أي مستقبل حقيقي للشعب اليمني لا يمكن أن يكون بحاجة إلى رئيس جديد واسع الصلاحيات، بل إلى نظام برلماني يوزع مهام الحكم بين رئيس دولة ذي منصب شرفي، وحكومة تمارس السلطة الفعلية وتكون مسؤولة أمام الشعب المُمثل بالبرلمان. إن النظام البرلماني لا يتيح فقط تمثيلاً عادلاً لمشاركة جميع فئات الشعب وأطيافه السياسية في الحكم، بل سيعمل –وهذا هو الأهم- على تفكيك العقلية التقليدية عند اليمنيين فيما يخص العلاقة بينهم وبين الحاكم، إذ أن رئيس البلاد الذي عادة ما يحظى بالامتيازات التقليدية لن يكون إلا رئيساً شرفياً ذو صلاحيات محدودة في الحكم، أما الرئيس التنفيذي ذو الصلاحيات الفعلية، وهو رئيس الوزراء، فلن يحصل، بسبب موقعه في هرم السلطة المتسع، على هذه الامتيازات، وهو ما يحد من سلطته ويجعله دائماً في موقع المسائلة من قبل البرلمان الذي يمكن أن يقيله مع حكومته في أي وقت. أضف إلى ذلك أن النظام البرلماني سيشكل الحل الأكثر حظاً في معالجة المشاكل المؤجلة (وأقصد بها: قضية الحوثيين، الحراك الجنوبي، والقاعدة) من أي تسوية سياسية أخرى، وهي المشاكل التي دون شك ستؤثر على استقرار اليمن إذا لم يتم معالجتها بشكل صحيح.

إن الحل الجذري للأزمة الراهنة في اليمن ينبغي أن يعكس الأهداف الكبيرة التي خرج من أجلها الشعب، والتي رسم معالمها الشباب اليمني الذي سطر بنضاله السلمية أروع النماذج في العمل الثوري منذ قيام الثورة اليمنية. وعليه، فإن مثل هكذا حل يلزم ألا يبتعد عن التهيئة لانتخابات برلمانية حرة ونزيهة على أساس القائمة النسبية، وهو ما يحتم بطبيعة الحال القيام بالتعديلات الدستورية الضرورية لنقل نظام الحكم من نظام رئاسي إلى نظام برلماني، وتأجيل بقية التعديلات ليتولاها البرلمان المنتخب لاحقاً.

إن الشعب اليمني، بعد كل هذه التحولات، ليس بحاجة إلى حل تقليدي تقاسمي أشبه ما يكون بالمصالحة بين متصارعين، بل إلى حل سياسي جذري... وهو بالتأكيد ليس بحاجة إلى رئيس جديد، بل إلى نظام سياسي جديد، لكي لا تتحول الإرادة الشعبية للتغيير من "الشعب يريد إسقاط النظام" إلى مجرد "الشعب يريد إسقاط الرئيس"، ولا أحسب إلا أن الجميع يدرك الفرق الشاسع بين المعنيين.