في سؤال رحيل الرئيس: هل توقيت الرحيل أهم من ترتيباته؟

  همدان دماج
22-3-2011

لا ينبغي في ظل التطورات المتلاحقة في المشهد السياسي اليوم أن ننسى أن الخروج السلمي من الأزمة الراهنة يظل الخيار الأكثر أهمية، فبعد أعوام من الآن، لن يكون مهماً في تاريخ اليمن متى رحل الرئيس، بل كيف تم ترتيب هذا الرحيل، وماذا حدث بعد ذلك!


إذا كان رحيل الرئيس من السلطة هو أمر طبيعي في الأنظمة الجمهورية، وإذا كان رحيل الرئيس وانتخاب رئيس جديد للبلاد بات غير مختلف عليه، ويتحدث عنه الرئيس نفسه بكل وضوح عبر مبادراته المتعددة، فإن مستقبل اليمن لعشرات من السنين يبدو أنه مرهون على توقيت هذا الرحيل أكثر من أي شيء آخر. الرئيس عبر مبادراته المتكررة اقترح أن يرحل بعد الانتخابات البرلمانية المقترح قيامها بداية العام القادم، بينما المعارضة (بتمثيلها الواسع) التي تستند على ثورة الشباب تريد رحيلاً فورياً. في سبيل تمسك الرئيس والمعارضة بهذه المواقف ظهرت على الأفق تحديات شديدة الخطورة متمثلة في إمكانية الوصول إلى طريق مسدود وحدوث قيام نزاع مسلح قد يفضي إلى حرب أهلية، وأي حرب أهلية بلا شك هي أكبر الكوارث التي قد تصيب أي مجتمع على الإطلاق، وهي للأسف ليست مستحيلة في بلد مثل اليمن حتى وإن حاولنا أن نقنع أنفسنا بعدم إمكانية قيامها.

يبدو من التوصيف السابق للأزمة السياسية أن حلاً وسطاً يمكن أن يحل معضلة "متى يرحل الرئيس"، وهو ما يعنى أن على الأطراف المتنازعة الاتفاق على تنازلات متبادلة، كأن يتنازل الرئيس عن عدة أشهر أخرى ويبكر في رحيله مقابل أن تتنازل المعارضة عن مطلبها بفورية الرحيل، بحيث يتم الوصول عبر الاتفاق على رحيل سلمي للرئيس بجانب عدد من الإجراءات والترتيبات التي من شأنها ضمان أن تسير الأمور كما هو مخطط لها، منها مثلاً تشكيل مجلس رئاسي مؤقت، يقوم بدوره بتشكيل حكومة وطنية انتقالية يكون من مهامها معالجة الملفات المعلقة، وأولها ملف الفساد، إلى جانب إعادة ترتيب المؤسسة العسكرية لضمان استقلاليتها والتهيئة الفنية والسياسية للانتخابات البرلمانية القادمة لضمان نزاهتها ونجاحها، ومن ثم انتخاب رئيس جديد للبلاد. 

إن حلاً من هذا النوع لا يحل فقط معضلة رحيل الرئيس وتجنيب البلاد خطر فوضى دامية وحسب، بل أنه يحل معضلة أكثر أهمية، وهي "كيف يرحل الرئيس"، ليشكل بالتالي نموذجاً سياسياً متقدماً للخروج من الأزمة، ويتيح الفرصة (وهذا هو الأهم) لرسم مستقبل سياسي واضح المعالم لا إقصاء فيه ولا تصفية حسابات هدفه الرئيسي هو الوصول إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة تتحقق فيها مصلحة اليمن واليمنيون، وهو أقل ما يمكن أن يكون احتراماً ووفاءاً للثورة السلمية ودماء الشهداء الشباب.

ماذا يمكن أن يقف ضد حل من هذا النوع؟ هل هو انعدام الثقة بين الرئيس والمعارضة فقط وعدم مد جسور الحوار، أم أن هناك أطراف أخرى قد لا يروق لها مثل هذا الحل، وستسعى جاهدة إلى الدفع بتصعيد الأزمة إلى أعلى مستوياتها، وهو المستوى الذي لا يمكن أن يكون إلا دموياً. هذه الأطراف، مدعومة بحرب استنزاف إعلامي واسع النطاق عليه أن يتوقف قد تتضمن أولئك الذين لا يهمهم أن يختتم الرئيس تاريخه الطويل بشكل مشرف ولائق وتجنيب البلاد ويلات الصراعات بقدر ما يهمهم الدفاع عن مكتسباتهم غير المشروعة، أو أولئك الذين لا يهمهم الوصول باليمن إلى مستقبل أفضل بقدر رغبتهم في اقتناص رحيل الرئيس قبل إكمال ترتيب الطاولة الوطنية. 

أياً يكن الأمر، سيكون من المحزن حقاً ألا يتمسك اليمنيون بهذه اللحظة التاريخية التي يعيشها اليمن بفضل قوة شبابه السلمية التي غُيبت لأعوام كثيرة، وهي اللحظة التي يتشكل فيها الآن مستقبل جديد يتخطى حدود توقيت رحيل الرئيس إلى بناء دولة يمنية ديمقراطية حديثة خالية من الفساد وموعودة بالنماء والرخاء. في حديث له حول المجزرة التي وقعت في ساحة التغيير، قال الدكتور ياسين سعيد نعمان، وهو واحد من الشخصيات الوطنية التي تحظى بقبول كبير، أنه عندما يتخضب أي مشهد سياسي بالدماء يتعقد. هذا صحيح، ولا بد أنه ينطبق أيضاً على أية صراعات مسلحة أو حرب أهلية سيصبح بعدها المشهد السياسي أكثر تعقيداً وفوضى. إذاً، وحفاظاً على النضال السلمي المشرف الذي يسطره شباب اليمن اليوم، يظل الخروج السلمي من الأزمة الراهنة هو الخيار الأهم، وينبغي أن يكون الأوحد، كما لا ينبغي أن يستمر هذا المسلسل المتخبط وغير الناضج من التسريبات الإعلامية الموجهة والإدعاءات المبالغ بها، فبعد أعوام من الآن، لن يكون مهماً في تاريخ اليمن متى رحل الرئيس، بل كيف تم ترتيب هذا الرحيل، وماذا حدث بعد ذلك!