من الذي يتحكم بالانترنت،
أوهام عالم بلا حدود (بصيغة بي دي إف)

تأليف: جاك جولدسميث وتيم وي
ترجمة: د.
 
همدان دماج

عن الكتاب:
هل تمحو الإنترنت الحدود الوطنية؟ من الذي يتحكم فعلياً بما يحدث في هذه الشبكة الإلكترونية؟ هل: مهندسو الإنترنت، مبرمجون محتالون، الأمم المتحدة أم الدول القوية؟ في هذا الكتاب المثير، يخبرنا "جاك جولدسميث" و"تيم وي" قصة تحدي الإنترنت للتحكم الحكومي خلال التسعينيات من القرن المنصرم وما تلا ذلك من معارك مع الحكومات حول العالم. أنه كتابٌ عن مصير فكرة واحدة: وهي أن الإنترنت قد تحررنا وللأبد من سلطة الحكومات، ومن الحدود الجغرافية، وحتى من ذواتنا المادية. في هذا الكتاب نطّلع على صراع (جوجل Google) *  مع الحكومة الفرنسية واستسلام (ياهو Yahoo)** للنظام الحاكم في الصين، وكيف يضع الاتحاد الأوروبي معايير الخصوصية الخاصة بالإنترنت وفرضها على العالم أجمع. كما نطلّع على نضال شركة (إي باي eBay) *** ضد التزوير وكيف استطاعت أن تثق رويداً رويدا بوكالة الاستخبارات الفدرالية الأمريكية (FBI). وخلال عقد من الأحداث المتتالية، تم استئصال الرؤية الأصلية؛ إذ قامت الحكومات مرات عديدة بالتأكيد على قوتها وقدرتها على تحديد مستقبل الإنترنت. ويعرض المؤلفان في هذا الكتاب وجهة النظر المتعلقة بمصير الإنترنت خلال العقود القادمة وكيف سيعكس هذا المصير مصالح الدول القوية والصراعات المحتملة داخلها أو فيما بينها البين.

تصدير:
 "
سوف تمكن التكنولوجيات الجديدة كل فرد من التواصل المباشر والسهل مع الآخر، وعملياً ستزيل هذه التكنولوجيات الجغرافيا السياسية وتجعل التجارة الحرة عالمية. شكراً للتطورات التكنولوجية، فلن يكون هناك غرباء بعد الآن. إننا نستطيع الآن أن ننظر إلى اعتماد تدريجي للغة عالمية موحدة."
                                                                                                جوليان هاوثورن

كان اختراع التلغراف هو ما ألهم هذه الكلمات، وبعد مائة عام، جاءت ثورة تكنولوجية أخرى لتلهمها من جديد. في تسعينيات القرن المنصرم، نظر الأكاديميون ومدراء الشركات وكل النقاد من مختلف الشرائح إلى الانترنت كمعلم متقدم للعولمة الجديدة التي بدأت تحد من سيطرة الحكومات الوطنية ومسؤولياتها. وهكذا بدا أن اختراع الانترنت قد أدى إلى اكتشاف طريقة جديدة لترتيب شؤون حياة الناس وتحريرهم، وإلى الأبد، من طغيان الحكومات المحلية.
يعرض هذا الكتاب مصير هذه الأفكار، ويروي قصة تحدي الانترنت لسيطرة الدولة الوطنية خلال التسعينيات، وما تلا ذلك من معارك ضارية شنتها الحكومات لتأكيد سلطتها وتحكمها على هذا الوسط الكبير أللا محدود. إنها قصة نهاية حلم "المجتمعات السبرانية" **** (المتخيلة) ذات الحكم الذاتي والمتحررة من نطاق الجغرافيا. إنها أيضاً قصة الولادة، والسنوات الأولى، لنوع جديد من الإنترنت: شبكة إلكترونية مؤطرة تكتسب فيها القوانين المحلية وقوة الحكومات والعلاقات الدولية أهمية لا تقل عن الأهمية التي تكتسبها الاختراعات التكنولوجية.
وخلال السنوات الأولى للألفية الجديدة، وهو الزمن الذي تنتهي فيه أحداث قصتنا في هذا الكتاب، حدثت تغيرات عميقة في الإنترنت؛ فهيمنة اللغة الانجليزية الأمريكية على الانترنت خلال التسعينيات ازدادت مؤخراً لتؤثر بشكل كبير على القيم المختلفة وعلى لغات واهتمامات مئات الملايين من المستخدمين الجدد على امتداد العالم. وقد كان لرغبات وتوجهات الحكومات القوية في كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، وأوروبا الأثر الكبير في تحديد معالم بنية الانترنت، وأصبحت الصراعات بين القوي العظمى وأيدلوجياتها الخاصة بالشبكة الإلكترونية هي المعيار الأساسي لصياغة الأسئلة المتعلقة حول السيطرة على الإنترنت.
ومما سبق ذكره، تنبثق لدينا ثلاث نقاط أساسية: الأولى هي أنه حتى بالنسبة لتكنولوجيات الاتصالات العالمية الأكثر عصرية، لا تزال للجغرافيا وللتحكم الحكومي الإجباري أهمية أساسية. فخلال التسعينيات، كان هناك إيمان بأن المجتمعات لم يكن باستطاعتها أن تتحكم بالآثار المحلية التي أنتجتها اتصالات الإنترنت غير المرغوب بها والقادمة من خارج حدودها، وبالتالي لم تستطع فرض قوانينها الوطنية المتعلقة بحرية التعبير والجرائم وحقوق الطبع والملكية الفكرية ...الخ لكن السنوات العشر الأخيرة أثبتت أن الحكومات الوطنية تمتلك عدداً من التقنيات للتحكم باتصالات الإنترنت القادمة من الخارج، وبالتالي القدرة على فرض قوانينها عن طريق الممارسة القسرية داخل حدودها.
أما النقطة الأساسية الثانية فهي أن شبكة الإنترنت بدأت تتجزأ ولم تعد (دون حدود) بل أصبحت مؤطرة.*****  وبعيداً عن مفهوم "تسطيح" ****** العالم، فإن الإنترنت –لغة ومحتوىً ومبادئ- تعمل وفقاً للشروط والظروف المحلية. والنتيجة: إنترنت تختلف من أمة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر، وهي على نحو متزايد تتمايز وتتفاضل في خصائص عديدة من اختلاف السرعات واللغات والمصفيات . إن هذه الإنترنت المؤطرة تعكس الضغوطات (فوق-تحتية) من قبل الحكومات التي تفرض قوانينها الوطنية على الإنترنت داخل حدودها. كما أنها تعكس الضغوطات (تحت– فوقية) سواءً من قبل الأفراد في مختلف الأماكن الذين يطالبون بانترنت تتوافق مع أولوياتهم وأذواقهم المحلية، أو من قبل مصممي مواقع الإنترنت ومزودي الخدمات الأخرى الذين يحددون معالم الإنترنت لتلبية هذه المطالب.
نقطتنا الأساسية الثالثة هي أنه على الرغم من أن كثيرين اليوم يؤبنون موت مفهوم "إنترنت بدون حدود"، إلا أن الإنترنت المؤطرة جغرافياً -وعلى العكس مما يعتقده الكثيرون من الخبراء- تمتلك عدداً من المزايا. فالمواطنون يريدون من حكوماتهم أن تمنعهم من إلحاق الأذى بعضهم البعض عن طريق الإنترنت، وأن تجنبهم الأضرار أو المخاطر التي قد تحملها الإنترنت القادمة من الخارج. كما أن الشركات التجارية تحتاج لبيئة قانونية تضمن استقرار الشبكة وتسمح بازدهار التجارة الالكترونية. هذا بالإضافة إلى كون الإنترنت المؤطرة قادرة على استيعاب الاختلافات الحقيقية والمهمة في أوساط المجتمع وفي مختلف الأماكن، وعلى جعل الإنترنت وسيلة اتصال أكثر نفعاً وتأثيراً.
وعلى الرغم من ذلك فأن للإنترنت المؤطرة عيوبها الخاصة. فبزيادة التحكم الحكومي على الإنترنت تقوم الحكومات بتكرار أخطائها، فقد استخدمت الحكومة الصينية مثلاً شبكة الإنترنت كجهاز للسيطرة السياسية والهيمنة الاقتصادية. وحتى في المجتمعات الديمقراطية، تُظهر التدخلات الحكومية في خدمات الإنترنت الفساد والامثالية الكائنة في العملية السياسية لهذه الحكومات. نحن هنا لانتقص من هذه الحقائق ولا من العيوب الأخرى، غير أننا نعتقد أن علينا أن لا نحزن كثيراً لموت المفهوم الذي ساد في التسعينيات والمتعلق بـ"الإنترنت الفوضوية" ، ذلك أن الحكم "اللامركزي" للدول الوطنية يعكس إلى حد كبير ما تريده العامة. وبذلك تكون المحصلة هنا أن شيئاً ما ضاع، لكن هناك الكثير في المقابل تم اكتسابه.
لقد اتسم عصر الانترنت بالبحث الدؤوب عن الأجد في ما هو جديد الجديد، غير أن قصتنا في هذا الكتاب هي عن "الأشياء القديمة"، عن الأهمية الثابتة للجغرافيا، والمبادئ القديمة التي تحكم القوانين والسياسة داخل الدول، وعن التعاون والصراع فيما بينها البين. إن الحكومة ذات السيادة الوطنية حقيقة راسخة في التاريخ البشري تتناسب مع الطبيعة البشرية في تنوعها، وتمكنها بالتالي من الازدهار. ومن وراء الضباب والسحر الذي يكتنف عالم الإنترنت، يقبع تنظيم قوي وقديم لا يزال يحتفظ بتأثيره الكبير الذي لا يمكن تجاهله أو الهروب منه.


 

* شركة محرك البحث المشهور.
 **من أكبر شركات الإنترنت الأمريكية العالمية.
***
من أكبر شركات التجارة الإلكترونية في العالم .
**** Cyber-communities= أو ما يعرف بالمجتمعات الفضائية .
*****
 Bordered
***** Cyber-communities