الوجه الآخر من أسطورة النجاح الالكتروني لموقع "فيس بوك"
The gloomy face of the glory success of Facebook
د. همدان دماج
مقدمة
لم يعد خافياً على أحد الدور المهم الذي لعبه موقع الـ"فيس بوك Facebook"،
في التغيرات السياسية الأخيرة في الوطن العربي، حيث كان محركاً أساسياً
للكثير من الحوارات الفكرية والتنظيمية لحركات التغيير الشبابية التي
انتشرت في بعض الأقطار العربية، ومنها اليمن. في العدد السابق من هذه
الدوريات، كنا قد سلطنا الضوء على مدى تفاعل مستخدمي الانترنت في اليمن
لموقع الـ"فيس بوك"، وقدمنا خلفية تاريخية عن الموقع وظروف نشأته والحالة
الراهنة لاستخدامه من قبل مئات الملايين حول العالم(1). وفي هذه المقالة
نسلط الضوء على أهم المشاكل والمخاطر التي قد ينطوي عليها استخدام الموقع
بشكل غير منهجي من قبل ملايين المستخدمين في العالم، وما تثيره هذه المشاكل
من جدل وانتقادات، وهي المشاكل التي تنتج في أغلبها بسبب سوء استخدامه وعدم
فهم طبيعة ومفهوم التواصل الالكتروني، مما يجعل الموقع في بعض الأحيان أداة
للحيلة والخداع، وهدفاً سهلاً لقراصنة الكومبيوتر، إضافة إلى تحوله إلى
وسيلة للانعزال الاجتماعي والقطيعة بين الناس، وهو ما يناقض الهدف الأساسي
من وجوده.
نظرة عامة على تاريخ وواقع الـ"فيس بوك"
يعتبر الموقع من أشهر المواقع الاجتماعية اليوم وأوسعها انتشاراً. أسس
الموقع طالب في جامعة هارفرد الأميركية يدعى مارك زوكربيرج عام 2003م
بالاشتراك مع كل من داستين موسكوفيتز وكريس هيوز الذين تخصصا في دراسة علوم
الحاسوب، وكانا رفيقي زوكربيرج في سكن الجامعة. كان الموقع آنذاك مقتصراً
على طلبة الجامعة؛ غير أنه امتد بعد ذلك ليشمل الكليات الأخرى في مدينة
بوسطن وجامعة (آيفي ليج) وجامعة ستانفورد. ثم ما لبث أن اتسعت دائرة الموقع
لتشمل أي طالب جامعي، ثم طلبة المدارس الثانوية، وأخيرًا، وبعد عدد من
التطوّرات، فتح الموقع أبوابه في 26 سبتمبر 2006م أمام جميع الأفراد حول
العالم البالغين من العمر أكثر من 13 عاماً، ليبلغ عدد مستخدمي الموقع حتى
كتابة هذه المقالة أكثر من 400 مليون مستخدم(2)، متخطياً بذلك عدد مستخدمي
موقع البحث الشهير "جوجل". وبحسب شركة "كومسكور ميديا ميتريكس" التي تتعقب
حركة شبكة الانترنت، يحتل موقع فيس بوك المرتبة الأولى من ناحية أعداد
الصور المتبادلة على الانترنت، حيث يصل عدد تلك المحملة في الموقع يومياً
إلى ستة ملايين صورة(3).
كان موقع “فيس بوك” ناجحاً منذ البداية لأنه، كما يشير ريتشارد بيترسون، لم
يبتعد كثيراً عن الطريقة التقليدية التي يتفاعل بها جمهوره الأوائل: طلبة
الجامعة، فقد "بُنى الموقع على أحد أهم مبادئ التعليم في جامعات النخبة،
وهو أن كل فرد في الحرم الجامعي هو صديق محتمل"(4)، وقد أخذ اسم "فيس بوك"
من اسم دليل الصور الذي تقدّمه الكليات والجامعات في الولايات المتحدة إلى
أعضاء هيئة التدريس والطلبة الجدد، والذي يتضمن وصفًا لأعضاء الحرم الجامعي
كوسيلة للتعرف إليهم. وكانت هذه ميزة تفوق بها موقع "فيس بوك" على المواقع
الاجتماعية الأخرى التي بدت وكأنها تسمح للمستخدمين في لقاء ومصادقة
الغرباء.
الجدير بالذكر أن الموقع يقدم خدماته للمستخدمين مجاناً، وتجني شركة "فيس
بوك" أرباحها من الإعلانات التجارية، حيث تقدّر القيمة الإجمالية للشركة ما
بين 3,5 إلى 5 مليارات دولار. ويتيح موقع "فيس بوك" للمستخدم إنشاء ملف
شخصي يتضمن معلومات وبيانات شخصية، بما في ذلك الصور وقوائم الاهتمامات،
ويصبح المستخدم قادراً على الاتصال بالآخرين والتفاعل معهم، والإطلاع على
ملفاتهم الشخصية، إضافة إلى إمكانية التعرف على قائمة أصدقائهم وإضافة
هؤلاء كأصدقاء له، وهو ما يمكن من بناء شبكة واسعة من الأصدقاء والعلاقات.
غير أن الموقع يلزم المستخدم باستخدام قوالب موحدة لوضع هذه المعلومات،
بحيث تظهر جميع صفحات المستخدمين بشكل موحد من حيث الألوان والأنماط ونوع
المعلومات المعروضة، وهو ما أعطى الموقع ثقة أكبر من قبل المستخدمين – إذ
يعتمد تصميم صفحة الموقع على اللونيين الأزرق الفاتح والأبيض الناصع، الأمر
الذي جعل المواقع الاجتماعية الأخرى متعددة الألوان تبدو وكأنها نوعٌ من
الرسم العشوائي على الحوائط أو ما يعرف بـ"الجرافيتي".
وفي هذا الصدد، يقول بيترسون إن "ثبوتية التصاميم لصفحة الـ"فيس بوك" كانت
من الايجابيات التي حُسبت له مقارنة بالشبكات الاجتماعية الأخرى"، موضحاً
أنك إذا كنت تستطيع أن تغير محتوى غرفتك في الحرم الجامعي، فأنه لا يمكنك
أن تغير مخطط الغرفة أو وضع الأثاث فيها، وهو ما جعل "فيس بوك" يظهر
"كامتداد طبيعي للمناخ الجامعي"(5). لقد كان للحصرية والثبوتية التي أرتكز
عليهما موقع "فيس بوك" تأثيراً كبيراً في وثوق المؤسسات الرسمية في
استخدامه، ففي عام 2007م مثلاً، سمح الجيش الأمريكي لجنوده باستخدام الـ"فيس
بوك"، وفرض حظراً على استخدام المواقع الاجتماعية الأخرى.
الجدل بين مؤيد ومعارض
وعلى الرغم من الشهرة الواسعة التي اكتسبها الموقع، إلا أن استخدامه أثار
الكثير من الجدل على مدى الأعوام القليلة الماضية؛ إذ تم حظر استخدامه في
العديد من الدول خلال فترات متفاوتة لأسباب سياسية وأمنية ودينية، ومن هذه
الدول: فيتنام، سورية، وإيران. وفي العام الماضي تم حجب الموقع في باكستان
بعد حكم قضائي على خلفية ظهور صفحة أنشأها أحد مستخدمي الموقع يدعو فيها
المستخدمين إلى المشاركة بإرسال رسوماتهم المسيئة للرسول محمد )صلى الله
عليه وسلم(.
كما ظهرت أصوات وفتاوى تنادي بتحريم استخدام الموقع، كونه آفة وسبباً في
إقامة علاقات محرمة بين الشباب والفتيات، بينما ذهب آخرون إلى أنها وسيلة
استخباراتية لجمع المعلومات عن الآخرين، وهنا نقتطف ما قاله أحد قيادي حركة
حماس في تصريح لـ"بي. بي. سي"، إذ وصف الموقع بأنه "شيء خطير جداً يقوم
الإسرائيليون باستخدامه لصالحهم"(6) لاستقطاب الشباب الفلسطيني وتجنيد
عملاء من بينهم. في الوقت نفسه استجابت إدارة الموقع لطلب تقدمت به إسرائيل
لإزالة صفحة كانت تدعو لانطلاق انتفاضة فلسطينية ثالثة يوم ذكرى الاحتلال
في 15 مايو 2011م، تحت ذريعة التحريض على "العنف ضد اليهود"، وهو ما نتج
عنه احتجاج شديد لملايين المستخدمين من الشباب الفلسطيني والعربي الذين
اتهموا مؤسس "فيس بوك" بالانحياز لإسرائيل وتحدوه بتدشين عشرات الصفحات
البديلة(7). وكان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قد أنتقد مؤخراً
موقع الـ"فيس بوك" واصفاً إياه بأنه "تكنولوجيا قبيحة"، داعياً إلى الحذر
من محتوياته التي لا يوجد عليها رقابة من أي نوع، حسب وصفه(8). هذا على
الرغم من أن أردوغان نفسه يمتلك صفحة على الـ"فيس بوك" تعد من أكثر الصفحات
المفضلة في تركيا ويصل عدد المشتركين بها إلى نحو 770 ألف مستخدم(9).
غير أن آخرين يؤكدون أن استخدام الـ"فيس بوك" يعد وسيلة فعالة لتفريغ
الطاقات وممارسة الهوايات التي يصعب تطبيقها في الواقع المعاش، فيقوم
المستخدم بتطبيقها مع أصدقائه وزملائه في "الواقع الافتراضي"، لتبادل
الأفكار والمقترحات والمشاريع الجماعية. كما يرى آخرون أن استخدام الموقع
يعد وسيلة حضارية في سبيل إيصال صوت الفرد المقهور داخل مجتمعه للعالم،
خاصة بعد أن ثبت مؤخراً أن هناك تظاهرات ثقافية واجتماعية ودعوات سياسية
لمظاهرات احتجاجية جرت حول العالم تم تنظيمها وتوجيهها بفاعلية عبر الـ"فيس
بوك". ومن ضمن قصص النجاح ما شكله استخدام الموقع في قطاع غزة من نجاح
أبناء القطاع في تنظيم المهرجانات وحركات الاحتجاج المختلفة، إضافة إلى ما
شكله الموقع من أداه ناجحة مكنت الشباب من التواصل الفعال خلال حركة
الاحتجاجات الأخيرة في الوطن العربي، وخاصة في مصر وتونس واليمن وسوريا.
لعب موقع "فيس بوك" أيضاً دوراً بارزاً في تنظيم الحملات الانتخابات
الرئاسية في عدد من الدول، مثل الولايات المتحدة الأمريكية والسودان، حتى
أن استخدام الرئيس الأمريكي أوباما للمواقع الاجتماعية ضمن حملته
الانتخابية، وخاصة صفحته على الـ"فيس بوك" التي وصل عدد المشتركين بها إلى
أكثر من مليون وسبعمائة ألف مشترك(10)، شكّل نقلة تاريخية فى علاقة
تكنولوجيا الاتصالات مع السياسة حسب ما أوردته صحيفة "نيويورك تايمز"، التي
قالت أن ذلك قد يسفر عن تغير وجه السياسة والمعادلات والمفاهيم السياسية
للأبد(11).
وعلى الرغم من الانتشار الكبير لاستخدام الموقع، إلا أن العديد من الشركات
والمؤسسات وجهات العمل تقوم بحظر استخدامه لمنع الموظفين من إهدار أوقاتهم
في استخدام الخدمة، كما شمل هذا الحظر بعض الجامعات، منها جامعة "نيو
مكسيكو" التي رأت في استخدام الموقع انتهاكاً لسياستها الخاصة بالاستخدام
المقبول للإنترنت(12).
ومنذ إنشائه، لم يسلم الموقع من الدعاوى القضائية التي رفعت ضده من عدد من
زملاء زوكربيرج السابقين الذين زعموا أن الـ"فيس بوك" اعتمد على سرقة الكود
الرئيسي الخاص بهم وبعض الملكيات الفكرية الأخرى، وهي القضايا التي تم
تسويتها بدفع تعويضات مالية لهم.
مشاكل
الـ"فيس بوك"
يتزايد عدد مستخدمي الموقع كل يوم، وتدل جميع المؤشرات والإحصائيات على أن
الموقع ما يزال يلقى شعبية كبيرة ومتزايدة، وأنه سيظل، ولفترة طويلة،
مهيمناً على المشهد المعلوماتي برمته، إذ أن عدد الجهات الرسمية والحكومية
التي بدأت تعطي وثوقاً كبيراً في الموقع في تزايد مستمر.
غير أن ما لا يتبادر إلى ذهن المستخدم العادي هو حجم المشاكل التي يسببها
هذا الانتشار الكبير في استخدام الموقع، حيث تشير الإحصائيات إلى أن
مستخدمي الانترنت يقضون أكثر من 700 مليار دقيقة في الشهر لتصفح الموقع
وحده(13)، ومن هذه المشاكل الضغط على الشبكة واستهلاك سعة البيانات وإعاقة
الأعمال التجارية عبر الانترنت، إذ تكشف الإحصائيات أن 40% تقريباً من
الموظفين في الولايات المتحدة الأمريكية صرحوا بأنهم يقومون باستخدام مواقع
الشبكات الاجتماعية أثناء العمل، مشكلين ضغطاً وإرهاقاً كبيراً لسعة
البيانات إلى الحد الذي يضر بتطبيقات الأعمال الأخرى التي تعتمد على خدمة
الانترنت. فمقاطع الفيديو التي يتبادلها المستخدمون قادرة وحدها على
استنفاذ العديد من الشبكات، إذ يستهلك مسار الفيديو الواحد (متوسط الجودة)
عادة ما بين 500 كيلوبايت إلى 1.2 ميجابت في الثانية، ومع العدد الهائل من
المستخدمين لهذه المقاطع فأنه من السهل إدراك تأثير ذلك على تدهور الأداء
العام للشبكة. هذا بالإضافة إلى الوقت الذي يضيع في استخدام الموقع وتأثير
ذلك على مستوى الإنتاجية.
ويكمن التحدي الكبير في أن مسألة حجب الموقع في الشركات والمؤسسات لم تعد
تجدي نفعاً، ذلك أن العملاء والشركات والموظفون على السواء يتوقعون التواصل
والتفاعل مع بعضهم البعض عبر الوسائط الاجتماعية، التي أصبحت هي الوسيلة
المفضلة للتواصل وجمع التعقيبات والآراء والتعليقات والتعيين والتعاون، ومن
ثم أصبح لزامًا على الشركات أن تدعم الوسائط الاجتماعية في لتفعيل الابتكار
وزيادة الإنتاجية وتعزيز النمو الذي يحرك مختلف الأعمال(14).
ومع ذلك ما يزال هذا الموقع يعاني من العديد من المشاكل الأخرى، نعرض هنا
أهمها وهي مشكلة الخصوصية وأمن المعلومات، ومشكلة سوء الفهم والتأويل
الخاطئ للعلاقات الاجتماعية الالكترونية.
مشكلة
الخصوصية
تعد قضية الخصوصية وأمن المعلومات في الـ"فيس بوك" من أهم المشاكل التي
يثار حولها الكثير من الجدل، فقد يعطي المستخدمون معلومات غاية في
الخصوصية، مثل رقم الهاتف والعنوان وأيضاً أسماء أفلامهم المفضلة أو كتبهم
المحببة... الخ، وهي معلومات قد يتم استغلالها من قبل الشركات التجارية
التي تستغل مثل هذه المعلومات لأغراض تسويقية، إضافة إلى قراصنة الكومبيوتر
(أو من يعرفون بالهاكرز) الذين يقومون باستخدام هذه المعلومات لتنفيذ
عمليات إجرامية مختلفة، خاصة أن "هذه المواقع سهلة الاختراق وبالتالي يمكن
أن تستخدم للابتزاز، كون أن التكنولوجيا المستخدمة فيها تسهل على العصابات
استهداف بعض البسطاء"(15)، إذ يجهل الكثير من المستخدمين لأبجديات حماية
المعلومات، فيقومون بنشر معلومات خاصة وشخصية لا يدركون مدى خطورة انتشارها
عبر شبكة الانترنت.
إن الاستخدام الكبير لموقع الـ"فيس بوك" يجعله ومستخدميه أهدافا مثالية
للبرامج الضارة والأكواد الخبيثة، وبحسب شركة سوفوس الأمريكية لأمن
المعلومات (Sophos)، يتعرض 40% من مستخدمي الموقع للبرامج الضارة وهجمات
القراصنة التي تعتمد على علاقة الثقة التي تنشأ بين المستخدمين وأصدقائهم
من أجل تقديم المعلومات وبيانات الدخول على الخدمات البنكية وبطاقات
الائتمان للسطو عليها واختراقها. فعلى الرغم من أغلب المستخدمين حريصون
جداً فيما يتعلق بالحسابات المالية، إلا أن دخولهم اليومي على موقع الشبكات
الاجتماعية يمثل ثغرة لمجرمي الإنترنت لنهب الأصول والثروات على الإنترنت.
وعادة ما يستهدف قراصنة الانترنت نقرات الروابط والوصلات (links) التي عادة
ما تظهر بعبارات مثل: "تفقد ذلك" أو "شاهد صوري"... الخ، فعند النقر على
مثل هذه الروابط يتم تثبيت كود برنامج أو نص تعليمات خبيث يمكن استخدامه في
سرقة المعلومات أو السيطرة على جهاز الكومبيوتر.
ومن نماذج الاستخدام الذي قد يبدو عادياً لدى المستخدم هو نشر بعض
المستخدمين بشكل غير مقصود معلومات سرية عنهم مثل: "قابلت فلان وأعتقد أنه
سيحصل على عمولة ضخمة عن الصفقة س"... الخ، وهي تصريحات تقدم معلومات
داخلية عن الشركات والمؤسسات، هذا إلى جانب نشر بعض الموظفين، من دون قصد،
أكواد برامج مملوكة لشركاتهم على الـ"فيس بوك"، مفشين بذلك أسرار حساسة
تصنف ضمن الملكية الفكرية. وعلى الرغم من كون هذه الأفعال غير مقصودة، إلا
أنها تؤدي إلى انتهاك قوانين ولوائح التجارة والصناعة والسوق، وقد تضع
الشركات في مأزق تنافسي لا تحسد عليه.
وكانت مؤسسة الحدود الالكترونية (Electronic Frontier Foundation)، المؤسسة
المعنية بحماية الحريات المدنية، قد حذرت في مدونتها من أن "فيسبوك بحاجة
إلى فعل المزيد" بشأن الانتقادات التي يواجهها حول حماية البيانات الشخصية
لمستخدميها، مشيدة بالخطوات التي أتخذها الموقع للسماح للمستخدمين من
التحكم في البيانات الخاصة بهم، إلا أنها حذرت في الوقت نفسه المستخدمين من
استخدام الخيارات التي يوصي بها الموقع للتحكم في خصوصية بياناتهم إذ ما
تزال "نسبة ضخمة" من البيانات الشخصية متاحة للآخرين على نطاق واسع(16).
وفي هذا الصدد يوضح كيفن بانكستون، القانوني في المؤسسة أنه لا يجوز لـ"فيس
بوك" أن يطلب من المستخدمين "إتاحة أي بيانات للغير". في المقابل نبه
آميتشي شولمان، مسؤول التقنية في شركة أمن المعلومات "إمبيرفا"، إلى أن
خدمات الشبكات الاجتماعية، مثل الـ"فيس بوك"، قد وجدت في الأصل لتبادل
المعلومات، و"تحفيز الأفراد للتفاعل معاً سواء كان ذلك استجابة لطلب أو
بدونه". مضيفاً أن الخصوصية لا تتفق مع مصلحة الذين ابتكروا الـ"فيس بوك"،
أو مواقف الكثيرين من مستخدميه، وأن الموقع على مفترق طرق، وعليه أن يكافح
لاستعادة ثقة مستخدميه"(17).
وإجمالاً، يشير بيترسون إلى نتيجة مهمة ومنطقية في نفس الآن وهي: إن "قدرة
الفرد على التحكم بما يمكن مشاركته مع الآخرين أو إخفاءه هو السر لجعل الـ"فيس
بوك" وسيلة اجتماعية مجدية"(18).
مشكلة
التأويل الخاطئ
ومن القضايا التي تثار ضد الموقع سهولة انتحال هوية الأشخاص، كالأصدقاء
والزملاء، عن طريق فتح صفحات خاصة بهم واستخدامها استخداماً سيئاً، وهي
القضية التي تسببت بالكثير من المشاكل لبعض المستخدمين، حيث عادة ما نسمع
عن نشوء خلافات بين صديقين بسبب ما يكتباه على صفحتيهما في الـ"فيس بوك" ثم
يظهر أن أحدهما لا يملك صفحة في الموقع أساساً. وعلى الرغم من أن القوانين
ما تزال غير مواكبة لهذه القضية إلا أنه في فبراير 2008م، تم إلقاء القبض
على مواطن مغربي بتهمة إنشاء ملف شخصي زائف على الـ"فيس بوك"
باسم مستعار(19).
ونستطيع هنا أن نشير إلى أهمية عدم اتخاذ مواقف شخصية بسبب ما يتم الإطلاع
عليه في الموقع، خاصة ما يتم كتابته على المواقع الشخصية، إلى جانب أهمية
تعزيز قدرة المستخدم على استغلال الوقت وتنظيمه بشكل صحيح كي لا تتحول
عملية استخدامه للـ"فيس بوك" إلى نوع من الإدمان وإضاعة الوقت. ومن
المفارقات في هذا الشأن أن الرئيس الأمريكي، وهو الذي كان قد استخدم موقع
الـ"فيس بوك" في حملته الانتخابية كما ذكرنا سابقاً، اعترف بأنه "حرم
ابنتيه من استخدام موقع فيس بوك، حتى لا يسمح للغرباء الفضوليين من التعرف
على الشؤون الخاصة بأسرته"(20).
ويشير بعض علماء النفس إلى سهولة سوء الفهم والتأويل الذي يقع فيه عدد كبير
من المستخدمين الذين لا يملكون الفهم الكامل لطبيعة استخدام المواقع
الاجتماعية، وهو ما يسبب عادة في مشاكل ومهاترات تصل بعضها إلى نوع من
القطيعة الاجتماعية، وهو ما يتناقض تماماً مع الهدف الرئيسي للمواقع
الاجتماعية. وترجع أسباب هذه المشاكل إلى طبيعة التواصل عبر الفضاء
الالكتروني (Cyberspace Communication) التي تختلف عن التواصل المباشر بين
الأشخاص، والتي ينبغي أن تأخذ في عين الاعتبار من قبل المستخدمين لكي لا
يقعوا ضحية سوء الفهم والانطباعات الخاطئة. فالتواصل عبر الفضاء الالكتروني
يفتقد إلى الكثير من العناصر العاطفية المهمة التي عادة ما تصاحب التواصل
الطبيعي بين الأشخاص، ومن هذه العناصر مثلاً قدرة المتحدث على استقراء ردود
الأفعال المباشرة لدى المتلقي، وقدرة المتلقي على تكوين صورة واضحة لما
يقوله المتحدث. فعادة ما يقوم الأشخاص في الفضاء الالكتروني بقول أشياء لا
يقولونها عادة في محادثاتهم الطبيعية، كما أن قدرات الناس المختلفة في
الكتابة والقراءة يمكن أن يؤدي في الفضاء الالكتروني إلى سوء الفهم،
وبالتالي، إلى اتخاذ مواقف خاطئة يكون من شأنها دفع النقاش بين الأفراد إلى
منعطفات لا يقصدونها، وهذا ما يفسر احتدام النقاشات والخصومات بين بعض
المستخدمين(21).
هذا بالإضافة إلى الأضرار النفسية التي قد تنتج عن إدمان استخدام الموقع من
قبل الكثيرين، حيث يوفر الإبحار في المواقع الاجتماعية "شعوراً بعدم الوثوق
بالهوية الحقيقية للأفراد وعدم التفاعل الجسدي معهم، وهو ما يولد شعوراً
زائفاً بالأمن"(22). وفي هذا الصدد، يقول بيترسون أن الـ"فيس بوك" يمكن أن
"يمنح الشعور الزائف بالتواصل مع الأصدقاء، وفي أماكن بعيدة، وهو ما يمكن
أن يشكل بديلاً خطيراً عن المحادثات الحقيقية التي تحفظ نوعاً من الحميمية
بين الناس"(23). ويشكل الإفراط في استخدام الموقع من قبل البعض إحدى
المشاكل الاجتماعية التي قد تتفاقم في بعض الحالات إلى مشاكل أسرية كبيرة،
إذ كشفت دراسة حديثة أجراها أحد مواقع الويب المعنية بشئون الطلاق في
بريطانيا عن أن 33% من دعاوى الطلاق التي تم رفعها خلال العام 2011 استشهدت
بموقع التواصل الاجتماعي الشهير "فيس بوك" كأحد الأسباب وراء رفعها، مقابل
20% عام 2009م(24).
وكانت سعودية في العقد الثالث من العمر قد طلبت من زوجها إلغاء صفحته
الشخصية على الموقع كشرط أساسي للموافقة على استمرار العلاقة الزوجية
بينهما بعد أن لاحظت أن زوجها أصبح يقضي ساعات طويلة أمام الإنترنت
وبالتحديد على موقع "فيس بوك"(25).
الخاتمة
ما يزال موقع الـ"فيس بوك" يتصدر قائمة أعلى المواقع استخداماً في العالم،
كما أن كل المؤشرات والإحصائيات تدل على أن شعبيته الكبيرة ما تزال
متزايدة، وأنه سيظل، ولفترة طويلة، يهيمن على المشهد المعلوماتي الالكتروني
برمته. وعلى الرغم من الانتقادات الكثيرة والمحاذير المتعددة من استخدامه،
إلا أن الموقع يكتسب يوماً بعد يوم زخماً إضافياً فقد أظهرت بعض الجهات
الرسمية والحكومية وثوقاً كبيراً في الموقع. في شهر ديسمبر عام 2008م قضت
المحكمة العليا لمقاطعة العاصمة الأسترالية بأن "فيس بوك" يمثل بروتوكولاً
صالحاً لتقديم إخطارات المحكمة إلى المدعى عليهم، وكان ذلك هو أول حكم
قضائي في العالم يشير إلى إلزامية الاستدعاءات القانونية التي تقدم من خلال
"فيس بوك"، كما قام أحد القضاة في المحكمة العليا في نيوزيلندا بقبول
الأوراق القانونية التي تقدمت بها إحدى الشركات عن طريق الموقع كإثبات
إدانة ضد أحد موظفيها(26).
ومع هذا، ما تزال قضية الخصوصية وأمن المعلومات الشخصية تتربع على عرش
المشاكل التي تحيط بالموقع وباستخدامه، إلى جانب التداعيات الاجتماعية
الخطيرة التي قد يسببها الاستخدام المفرط للموقع من قبل الملايين من
المستخدمين.
المراجع
(1) د. همدان دماج، "المواقع الاجتماعية واستخدامها في
اليمن: فيس بوك Facebook انموذجاً"، دراسات اقتصادية ومعلوماتية، العدد 9،
يناير-مارس 2011م
(2) الموقع الإحصائي الرسمي لشبكة الـ"لفيس بوك" (SocialBakers.com).
(3) "فيس بوك وقصة نجاح كبيرة"، مدونة تصميم مصري – مارس 2008م.
(www.egydes.com)
(4) تشارلز بيترسون، "في عالم الفيسبوك"، مجلة "وجهات نظر"، العدد 136،
مايو 2010م
(5) المصدر نفسه
(6)
www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2010/04/100405_israel_facebook_tc2.shtml
(7) صحيفة "الشروق الجديد"، عدد الأربعاء، 30 مارس 2011م
(8) موقع طريق الأخبار، بتاريخ 13 مايو 2011،
http://elakhbar.akhbarway.com/news.asp?c=2&id=90717
(9) المصدر نفسه.
(10) صحيفة 26 سبتمبر، اليمن، 22 أكتوبر 2008م.
(11) د. همدان دماج، "أوباما وسلطة إغلاق الإنترنت: جدلية الحريات
والحقوق المدنية"، دراسات اقتصادية ومعلوماتية، العدد (7-8)، يوليو-ديسمبر
2010م.
(12) Fort, Caleb, “CIRT blocks access to Facebokk.com”, University of
New Mexico, 2005-2006.
(13) نايجل هوثورن، مخاطر الفيس بوك وطرق الوقاية منها، صحيفة الرياض، 20
يوليو 2011م أنظر الرابط
(http://www.alriyadh.com/2011/07/20/article652259.html)
(14) المصدر نفسه.
(15) حمزة عمر، "المواقع الاجتماعية الالكترونية ومخاطرها"، شبكة "عيون
العرب"- www.vb.arabseyes.com/t134684.html
(16) "الفيسبوك لم يقم بالكافي لحماية الخصوصية"، بي بي سي، 27 مايو, 2010م
(http://www.bbc.co.uk/arabic/scienceandtech/2010/05/100527_facebook_warning_tc2.shtml)
(17) المصدر نفسه.
(18) تشارلز بيترسون، مصدر سابق.
(19) صحيفة "نيويورك تايمز"، 5 مارس 2008م.
(20) خديجة حمدي البدراني، موقع "إخبارية الدار" – أنظر
(www.aldarnews.net/news.php?action=show&id=7989)
(21) Mihaela Moussou and Nancy White, “Avoiding Online Conflict”, Full
Circle Associates, 2004.
(22) وائل مبارك فضل الله، "أثر الفيس بوك على المجتمع"، منتديات قصيمي نت،
نوفمبر 2010م.
(23) تشارلز بيترسون، مصدر سابق.
(24) موقع محيط، يناير 2012م (http://www.moheet.com)
(25) http://www.islammemo.cc/monawaat/2010/10/31/110012.html
(26) The Age article on the world's first court documents to be served
via Facebook – أنظر الرابط
(www.theage.com.au/articles/2008/12/16/1229189579001.html)
|