في
نادي الضباط بصنعاء، يوم الأربعاء الماضي، حضر عدد كبير من الشخصيات
الرسمية والاجتماعية والثقافية وكبار الموظفين في الدولة مأدبة إفطار
بدعوة من أمانة العاصمة. وقبيل الإفطار سنحت الفرصة لي أن ألتقي بعدد من
هذه الشخصيات وأن أتبادل معهم الحديث الذي تمحور معظمه حول ما شهدته
العاصمة صباح ذلك اليوم من عمل إرهابي راح ضحيته عدد كبير من الأبرياء،
وقد لاحظت أن الجميع كان على قدر كبير من الوعي بخطورة ما حصل، فالذين
هاجموا السفارة الأمريكية أياً كانت هويتهم أو نواياهم لم يحققوا سوى ما
يمكن أن يوصف بالخسارة الكبيرة لنا كيمنيين. خسارة في أرواح جنود
ومواطنين أبرياء. خسارة للاقتصاد اليمني ستنتج عن تداعيات الحادث بدءاً
من ارتفاع بوليصات التأمين على السفن التجارية المحملة بالبضائع وانتهاءً
بضربة أخرى للسياحة المتعثرة. خسارة للقيم الاجتماعية وخاصة تلك المتعلقة
بظاهرة الهجمات الانتحارية التي كان المجتمع اليمني بعيداً عنها بوعي
حضاري متراكم لمئات السنين. خسارة لن يتحملها أحد سوى أفراد المجتمع
اليمني بطبقاته المختلفة التي بدأت تتمايز عن بعضها البعض بمسافات مخيفة،
مسافات تعلن عن حقبة جديدة تهدد بجدية استقرار المجتمع وتمهد الطريق نحو
مستقبل أشد قتامة.
قبيل
الإفطار كان المشي في ساحات نادي الضباط متعة حقيقية، فلا يمكن أن يتجاهل
الإنسان خضرة الحدائق الصغيرة المكسوة بالعشب الجميل ونظافة المكان الذي
كان يتماهى مع الجو الصنعاني الرائع في ذلك الوقت، لتسأل نفسك بحسرة:
لماذا لا تكون مدينتنا كلها بهذه النظافة وهذا الجمال!! ثم يشد انتباهك
أمر آخر، ففي مكان معزول عن الآخرين تجمع حشد نسائي من المدعوات. أفهم أن
لتجمعهن بعيداً عن الحشود الرجالية في مثل هذا الوقت ما يبرره وما يجعله
مناسباً، بل ومريحاً لهن، لكن ما لم أستطع فهمه هو أنني بالكاد استطعت أن
أميز ضمن كتلة السواد الكبيرة تلك عدداً ضئيلاً جداً من المحجبات، فيما
الغالبية العظمى كن منقبات. أليس مدعاة للتأمل أن تجد هذا الفرق الكبير
بين عدد المحجبات وعدد المنقبات من القيادات النسوية، اللواتي يفترض أن
يكن نموذجاً للمرأة العاملة والمتعلمة في اليمن! أن انتشار النقاب في
أوساط القيادات النسائية (على الأقل على المستوى الرسمي للدولة) بهذه
الكثافة يعد مؤشراً مهماً من الجدير أن يأخذه الباحثين الاجتماعيين
والمتخصصين بعين الاعتبار، لعلهم يقولون لنا أي واقع اجتماعي نعيشه اليوم
وأي واقع اجتماعي سنضيق به ذرعاً في المستقبل.
وعلى
ذكر الواقع الاجتماعي، لا تزال صورة المصليين الذين افترشوا أرضية النادي
بجانب الجامع المكتظ حاضرة في الذهن، فلم يسبق لي حقاً أن رأيت صفوفاً من
المصليين بتلك العشوائية، بل أن تجد في الصف الواحد من يقوم بالركوع
بينما الآخرين ساجدين، ومن بجانبهم من الجهة الأخرى لا يزالون واقفين،
كلاً يتبع إماماً مختلفاً، بينما آخرون آثروا أن يتبعوا إمام الجامع
الذين يسمعونه بوضوح عبر الميكرفونات. هنا يفرض سؤالٌ مهمٌ نفسه عليك:
فعندما لا يستطيع رجال السياسة والإدارة والشخصيات الاجتماعية البارزة
تنظيم صفوفهم في الصلاة فأي مستقبل تنتظره البلاد تحت قيادة هؤلاء؟